11 سبتمبر 2025
تسجيللقد اهتم الإسلام بالإنسان إعداداً وبناءً، لذا كرم الله الإنسان في القرآن الكريم وجعل ابن آدم أفضل الخلق فقال تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" الاسراء 61، لذلك تجد المسلم الصادق التقي الخلوق مهذبا دمثا مرهف الشعور لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي به الناس،بل تجده يحرص أشد الحرص على التحلي بحسن الخلق ونفع الناس وأن يكون كالنخلة التي يرميها الناس بالحجارة فترميهم بالثمار، فهو صاحب نفس راضية وقلب مطمئن، يطفئ لوعة المعصية بالتوبة والإنابة والخشية لله تعالى، يبهر العقول بأدبه الجميل وأخلاقه السامية التي حقا يقال عنها أنها أخلاق الرجال الذين يعطون لكل ذي حق حقه، فلا يطغى حق على اخر فلا يكون مفرطا في مسؤوليته وإنما يزن الأحوال بميزان الدين والإيمان،ويعتبر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله) رواه الترمذي، فقلوب الرجال متفتحة دوما إلى الاستغفار والإنابة مستروحة نسمات الطاعة والهداية، تعي قول ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق. قلوب الرجال الطاهرة تعي مقدار الطاعة وفوائدها وتخشى المعصية وتعرف شؤمها، لذلك تجد الرجل دائما يزن الأمور بميزان الأخلاق والإيمان ولا يقصر في حق أحد،لأنه يعلم أن ربط البواعث الخلقية بالإيمان بالله تعالى هي التي تميز الإنسان المسلم عن غيره، فيتحلى بالإخلاص العميق لله تعالى وبثبات هذه الأخلاق وديمومتها فيه،مهما تقلبت الأيام، وتغيرت الأحوال، ذلك بأنها صادرة عن وجدان حي مرهف يستحي من الخلق السيئ ويجتنبه، ويعلم أن الله عز وجل مطلع على الخفي من الأسرار فيستحي منه قبل حيائه من الناس المطلعين على الظاهر من أخباره، وهذا الحياء من الله هو مفرق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم، فالحق سبحانه وتعالى جعل الدنيا مزرعة للآخرة وعنوانا لها ومنازل الناس فيها من السعادة والشقاوة على حسب منازلهم في الدنيا وتقربهم فيها بالإيمان والعمل الصالح، فابدأ كما ولدتك أمك حرا طليقا من أسر الهوى نظيفا من الذنوب والآثام ولا تكن مثل كثير من الجهلاء الذين اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه فعصوا أمره ونهيه،ونسوا أنه شديد العقاب وانه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين،فمن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند. فلا تكن سلبياً معه وتقول لنفسك إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت،ولكن لابد أن تكون لك وقفة مع نفسك،وتأخذك الحسرة على ذنوبك وتبكي عليها ليلك نهارك وتصحبك موجات من الندم وتبيت ليلك تتأوه حزنا وألما على ذنبك وتتضرع إلى الحكيم الخبير وتسارع إليه بالتوبة قبل فوات الأوان، ولا تجعل هذه النشوة المؤقتة تذهب بك إلى منزلق خطير وتطيش بك إلى منحدر سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام فتنسيك نفسك وتفسد عليك أمرك وتكون من أصحاب قول الله تعالى (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) الحشر 19،ولكن لابد وأن يعلم المسلم قبل ندمه وخسرانه وفوات الأوان أن يلجأ إلى ربه الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، ولابد أن يعلم انه مهما كانت ذنوبه عظيمة فان الله يغفرها جميعا ما لم يشرك به، وليعلم أيضا أن الحسنات يذهبن السيئات فلا بد وان يتأشح بحسام التوبة ويملأ نفسه ثقة ورجاء بعفو الله ولكن لا يكون هذا العفو سببا في الاتكال والبعد عن العمل والإيمان،بل ليعلم أنك إذا أردت أن يذهب الله سيئاتك فلابد من الحسنات،فمعرفة الله أول طريق السالكين ومنطقة سبيل المسترشدين والحصانة من كل سوء والأمان من كل زيغ،إنها أزكى التحيات وأجملها وأطيبها وأنداها لذلك المؤمن الذي خشع قلبه لربه وتحلى بالتقوى في زمانه فسار على درب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك إلا تحت قوله تعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) التوبة 108،إنه المؤمن الذي تطهر من دنس المعصية ومن ظلام الجهل وأنعم برجولته في سبيل طاعة ربه، وأبى إلا أن يقتبس من نور الله ومن فيض الرسالة المحمدية ضياء، فاستنار له الطريق وأضاء دياجير الظلام.