15 سبتمبر 2025

تسجيل

عليك بالرجاء لله

27 يوليو 2014

حقيق بكل امرئٍ، أسلم وجهه لله، أن يكون على جانبٍ عظيم من رجاء ربه ومولاه، يرجوه طمعاً فيما عنده، رجاءَ من يعلم حق العلم، أنه سبحانه لا يخيب رجاء عبد لجأ إليه، ولاذ بحماه، والتمس فضل نواله، ورفع إليه يديه، في حالةٍ من التضرّع لا تكون لأحدٍ سواه، واقرأ هذا الحديث الشريف:(إنّ ربكم حييٌ كريم يستحيي أن يبسط العبدُ يديه إليه فيردهما صِفْراً).من سوى الله يُرجى ويُسترفدُ ما عنده ويطمع فيه، دونما استحياءٍ وخجل، ولا خوف ذِلة وبخل، ولا تبعة منقصةٍ ومَعَرّة؟ ومَن غيرُ الله يَهَب الجزيل، ويمنح الجليل، ويُجزل العطايا، ولا يُخشى منه منٌّ ولا تنغيصٌ ولا أذى؟مَن سوى الله يدعو الخلق لسؤاله، بل يأمرهم بدعائه وسؤاله، مع وعده بالاستجابة لهم؟ ومَن عدا اللهِ يغضب إن ترك الخلق مسألته، ورفْعَ المطالب والحوائج إليه؟ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، جاء في الحديث الصحيح:(من لم يسأل الله يغضب عليه)، وفي هذا قال الشاعر:لا تسألنّ بني آدم حاجةً وسَلِ الذي أبوابهُ لا تُحجبُاللهُ يغضبُ إنْ تركت سؤالَه وبني آدمَ حين يُسألُ يَغضَبُألا ينبغي بعد ذلك للعبد، أن يلزم رجاء ربه، ملازمة تامةً لا ينفك عنها طرفة عينٍ في حياته، وألا يَدَعَه بحالٍ من الأحوال، كيلا يغفل عن حالة من خير وأجلِّ الحالات على النفس، نفعاً ورَوْحاً، بما تُشيع في القلب من ارتياحٍ وطمأنينةٍ وسكينةٍ، تلك بلا ريبٍ هي الحالة التي يبعثها الرجاء برحمة الله وفضله وعفوه ومغفرته، فتجعل النفسَ على انتظار ميعاد الفرج والفرح، والعون والغوث، الآتي من أعظم وأكرم مرجوٍ، هو الله عظم جاهه، وتقدست أسماؤه، الذي قال في الحديث القدسي:(يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة). وأخبر رسوله الكريم، عن رحمته بعباده، فيما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:(قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبيٌ فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فالزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار، قلنا: لا والله، فقال: الله أرحم بعبده المؤمن من هذه على ولدها).لكن لا بد أن يكون للرجاء أسبابٌ، تسوّغ وجوده، وتسبق مجيئه، وتمهدُ له بحيث تجعله قائماً على أساسٍ مكينٍ وطيد، ألا وهي اتخاذ الأعمال الصالحة، التي ترضي الله تعالى، سواءٌ ما كان منها متعلقاً بعمل الآخرة، المتمثل في أداء مختلف الطاعات والقربات، التي يحتسب المؤمن أجرها ليوم الحساب، أو المتصلة بالحياة الدنيا، في السعي فيما يُصلح معاش الإنسان، ويتركه سعيداً هانئاً في حاضره، وفيما يستقبله من أيام، بشتى الوسائل المباحة، التي يتوصل بها إلى ما يريده الإنسان من سعةِ وسعادةِ العيش، والدليل على هذا من القرآن، في قوله عز وجل:(إنّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)، أي أولئك الذين يرجون الله ورحمته حق الرجاء، وحريٌّ بهم أن يرجوها لما قدموا من أعمال، حققت لهم الرجاء الصحيح والنافع المقبول، الذي يكون الله من بعده عند ظن عبده به.أما رجاء الله في المرغوبات والمحبوبات، دونما عملٍ ولا شُغلٍ يُقدّم بين يدي الرجاء، فذلك هو الجهل والحمق بعينه، ويكون صاحبه واهمٌ كوهم الظمآن في السراب، يحسبه غدير ماءٍ، وما هو بشيء، ولا ينال منه سوى الخيبةِ والحسرة.