15 سبتمبر 2025
تسجيلليس من السهل بعد ما جرى في مصر أن يمضي قطار السلام الاجتماعي في مسار المصالحة الوطنية الشاملة دون أن يتعرض لعوائق قد تبقيه في محطة الانطلاق، ذلك أمر راجح بالنظر إلى حالة السيولة والاستقطاب الحاد الذي يعيشه المجتمع المصري، والذي تتلخص معادلته في ثلاثة أطراف منهما اثنان متصارعان بصورة نشطة وطرف ثالث خامل، بعكس الطرف الثالث الذي يؤجج الأحداث ويلهب المظاهرات السلمية ويفتك فيها بالمتظاهرين. أما الطرفان فهما السلطة الحالية والمعارضة الإسلامية، أو السلطة السابقة والمعارضة الليبرالية، وضد الإسلاميين هناك بقايا النظام السابق الذين من حقهم أن يخشوا على أنفسهم إن تم عزلهم على النمط البعثي في العراق بما يعني اجتثاثهم تماما من العملية السياسية والمجتمعية والاقتصادية وهم الذين ترسخت أقدامهم طوال ثلاثين عاما ولن يتنازلوا بسهولة أو سلاسة، ولذلك فإنهم سيميلون ويندسون وسط التيار الليبرالي باعتباره الأقرب إليهم مما يزيد من قوته في مواجهة الإسلاميين ويتصاعد بذلك العداء والعنف والعنف المضاد وتبتعد فكرة المصالحة عن الواقع. الطرف الثالث الخامل وهو الشريحة الأكبر من المجتمع المصري حيث الفقراء والذين يعيشون على المهمش المتمدن وفي أطراف المدن والقرى المنسية، هؤلاء يتم التعامل معهم ككروت انتخابية يتم شحنها للاتصال بالبرلمان ومجلس الشورى وعند نفاد الرصيد يتم إهمالها وتجاهلها، وذلك في الحقيقة عيب سياسي ظلت تمارسه الكيانات السياسية المصرية على مدى عقود حتى أصبح سمة وطابعا سياسيا في مصر، واستغلال هذه الشرائح وتوظيفها لمصالح النخب أمر غير أخلاقي ويجب أن يتوقف. بالعودة إلى المصالحة من واقع هذه التيارات، يظل الطرف الثالث غير معني بها ولن يذكره الطرفان الآخران ولن يحتاجاه في هذه المرحلة أو عند القضايا الكبيرة، ولذلك فإن المصالحة معادلة نخبوية كاملة تتطلب تجردا وإخلاصا وصدقا في المواقف وتقديم تنازلات مؤثرة ومهمة من أجل التوافق وتحقيق استقرار مصر، وما لم يتم التراضي على ثوابت أساسية وإبعاد أفكار الإقصاء وتقليل الاحترام لا يمكن أن تصل الأطراف إلى أسس يتم التفاكر بشأنها من أجل المصالحة والقبول بعملية ديمقراطية تمضي دون إضعاف للسلطة وحرمانها الحق في ممارسة أعمالها دون إرباك أو تعييب لتصريفها لشؤون الدولة، وبهذه الأفكار يبدو أن مصر لا تزال بعيدة عن المصالحة والتي لن تتحقق قريبا لأن المسافات بعيدة للغاية بين أطراف العملية السياسية.