03 نوفمبر 2025
تسجيلعندما يقف الخلق جميعاً للسؤال والحساب يوم القيامة بين يدي الله، ليأخذ كل ذي حق حقه فيكافأ ويثاب المحسن، ويعاقب ويجازى المسيء، ويقتص لبعضهم من بعض بالعدل ولا تظلم نفس شيئا، قال جل وعلا: (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب)، تحدث المقاصة من ذلك المفلس المصلي المزكي الصائم وأمثاله، للذين اعتدى وأساء وجار عليهم، ليأخذوا منه مظالمهم ويستردوا حقوقهم، ولكن ليست بصورتها الدنيوية من دراهم وريالات وضربات موجعات باليد أو بالكلمات، وإنما بالحسنات والسيئات، فيأخذوا من حسناته، حتى يستوفون حقوقهم كاملة، فإن فنيت حسناته ولم يؤدِ ما بقي عليه، أخذ من سيئات من ظلمهم وأساء عليهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار أعاذنا الله منها، فيكون شأنه بذلك، كشأن الكفرة الفجرة، وتأمل واعتبر!!. من أجل هذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام، ناصحاً ومرشداً بقوله في الصحيح: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيءٌ، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه)، وفي حديث آخر يقسم عليه الصلاة والسلام، على أن الحقوق سوف تؤدى إلى أهلها يوم الحساب، تحذيراً للظالمين وترهيباً لهم، وطمأنة للمظلومين وتخفيفاً عليهم، حتى إن الله تعالى وهو العادل المقسط، يقيم القصاص بين الحيوانات، فما بالك ببني آدم المكلفين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتؤدَّنَ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء- التي ليس لها قرن- من الشاة القرناء)، وبعد أن يفرغ الله من الحكم بينها يقول لها: كوني ترابا فتصير تراباً وعند ذلك يقول الكافر: "يا ليتني كنت ترابا"، أي كنت حيوناً فأرجع إلى التراب. صدق أحمد شوقي رحمة الله عليه ورضوانه، أمير الشعراء وحامل لوائهم بإذن الله إلى الجنة، في قوله في بيته الفريد، الباقي على الأمد المديد، والذي خلد به ذكره أيّما تخليد وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا وكرر نفس المعنى في بيت آخر فقال: كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم ويذهب عنهم أمرهم حين تذهب أرجو أن يكون القارئ قد وصل معي إلى نتيجة حتمية، تكوّن لديه اعتقادا صادقاً يبلغ حد اليقين، ويثبت ويرسخ، ثبوت ورسوخ العقيدة الصحيحة في النفس المؤمنة، أن العبادة وحدها من غير مكارم الأخلاق، لا تجدي ولا تغني عن صاحبها شيئاً؛ فمن مقاصد البعثة المحمدية بعد توحيد الله بالعبودية، إتمام مكارم الأخلاق في النفس البشرية، كما جاء في الحديث الشريف المأثور: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). اللهم وفقنا للقول السديد، وللعمل الرشيد، وللخلق الحميد، ونعوذ بك من منكرات الأخلاق وسيئات الأعمال، ونسألك أن تهدينا لصالح الأخلاق والأعمال، إنه لا يهدي لصالحها، ولا يصرف سيئها إلا أنت، وأنت خير مسؤول وأفضل مأمول.