11 سبتمبر 2025
تسجيلأتذكر أنني كتبت في السابق عن مساوئ مواقع الإنترنت الطائفية التي تنشر أكاذيب واتهامات وتلاسنات تسيء إلى الوحدة الوطنية والترويج للطائفية البغضاء في المجتمع وتمس الذات الملكية وتشعل الفتنة.. وحذرت وقتها من إساءات ومبالغات توجه عن بعد لواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإصلاحي والأهم الديني، ناهيك عن حملة التشكيك في كل ما حققناه من إنجازات. وقتها تنفسنا الصعداء عندما قررت الحكومة مشكورة إغلاق تلك المواقع التي تكرس الطائفية والعنف في المجتمع، وقلنا إن الإسلام هو دين محبة وسلام ويحرم العدوان ويحارب الظلم ويحترم حرمة النفس الإنسانية وقدسيتها.. ولكن أن تطل علينا قنوات إخبارية أجنبية تقدم خدمة رديئة عديمة المضمون إعلاميا وخطر على المجتمع، فهذا يتطلب وقفة جادة. وأقصد هنا ما اعترف به مجلس أمناء قناة بي بي سي البريطانية بأن تغطية القناة لأحداث البحرين خلال الفترة من فبراير وحتى أبريل ٢٠١١ لم تكن محايدة وتضمنت تشويها وتحريفا للحقائق. ونحن ليس بحالة نشوة وامتنان لهذا الاعتراف بالخطأ المهني الذي وقعت فيه القناة العريقة في ممارسة العمل الإعلامي، وهذا مرجعه أن تقارير بي بي سي وقت الأزمة آتت أكلها وحققت الغرض غير السوي من بثها، فهي لم تكن محايدة بل عكست انحيازا لقلة ضالة كادت تحرق البلاد وتدمرها لمصلحة جهات أجنبية لا تريد خيرا بالبحرين. وما يهمنا الآن هو مضمون تقرير مجلس أمناء البي بي سي للعالم الذي يؤكد للعالم براءة البحرين مما نسب إليها وقت الأحداث التخريبية وتعترف لكل مشاهديها على مستوى العالم أنها أساءت استخدام مفاهيم العمل الإعلامي وتحيزت لجماعة استخدمتها دولة أجنبية وحرضتها لتخريب البحرين من أجل مصلحة تلك الدولة وليس من أجل مصلحة هذه الجماعة التي تركت وطنها وأهلها وعشيرتها وراء ظهرها. لقد بح صوتنا من انتقاد التقارير الوهمية التي اعتادت بعض الفضائيات على بثها عن تطورات البحرين وكأن المملكة تشهد انقلابا عسكريا، وكان ذلك بعيدا كل البعد عن الحياد والمصداقية. وتجاهلت بي بي سي تماما مبادرات القيادة الرشيدة لفتح الحوار مع كل الأطياف السياسية وكذلك ما تحلت به الأجهزة الأمنية من ضبط النفس. ولعلي ونحن نتحدث عن خطورة الفضائيات والقنوات الإخبارية المسمومة، أشير إلى ما وقع في الشقيقة مصر بسبب هذه التقارير المغلوطة، فقد اعتادت الفضائيات المصرية قبل ثورة 25 يناير استضافة ممن يدعون أنفسهم نشطاء سياسيين، ولكن عندما تحرى المصريون عنهم عقب الثورة اكتشف كنيتهم اليهودية والصهيونية وارتباط كل هؤلاء بمراكز بحثية على صلة وثيقة بإسرائيل ومراكزها الإستراتيجية. فمثلا عندما تستضيف فضائية مصرية ناشطة من أقباط المهجر، فهي مصرية وتتحدث العربية ولكنها تلفظ سما ضد مصر وشعبها وتدعي أنها تتحدث من أجل مستقبل مصر ومصلحتها، ثم يتبين لاحقا أن هذه الناشطة القبطية عضو فاعل في أكثر من مركز بحثي أمريكي موالي لإسرائيل، والمشكلة أن الفضائيات كانت تقدم هؤلاء على أنهم باحثون وخبراء في مراكز بحثية محايدة دون ذكر اسم المركز حتى تضلل المشاهدين ولا يتنبهون إلى هويتهم الصهيونية، وبالبحث والتحري اكتشفت جهات مصرية أن ضيوف البرامج والمحللين والخبراء السياسيين ما هم سوى ذراع لمنظمة إيباك، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا التي تعمد دائما على تشويه صورة مصر وتقويض فرص التواصل بين القاهرة وواشنطن. وكان من ضيوف البرامج الدائمين دبلوماسي أمريكي يتم تقديمه على أنه خبير في العلاقات، ولكن اكتشف فيما بعد أنه عضو في مجموعة عمل ضد مصر تعمل من واشنطن بغرض بث روح الفوضى العارمة وترنح مصر إقليميا وعالميا ومحليا. وبالتحري أيضا اكتشف المصريون أن هذا الضيف الخبير في العلاقات الثنائية يهودي الديانة ليكودي الفكر. ونحن لا نستبعد هنا أن تكون البي بي سي قد تعمدت استضافة مخربين تحت ادعاء مسمى الخبراء والمحللين ومنحتهم مساحات كبيرة من الوقت على حساب الوطنيين الشرفاء، وبالطبع هذا يتعارض مع ميثاق الشرف الإعلامي، ويعد تعمدا في تضليل الرأي العام. المشكلة أننا سكتنا كثيرا على تلك القناة حتى ظهر تقرير الأمناء ليفضحها، وليكون الشاهد من أهلهم وليس منا، وأعتقد أن المطلوب الآن محاسبة جادة مع كل قناة أو فضائية أغفلت أصول المهنة وخدمت فقط خلفيتها السياسية والدينية والفئوية والطائفية والأيدلويوجية المعادية للبحرين. إن دور الإعلام خطير ولاسيَّما أن الكلمة سلاح ذو حدين فهي قد تبني المجتمعات وتعمل على تطورها وقد تهدم ما تم بناؤه عبر سنوات طوال في حياة الشعوب والمجتمعات. وهذا ما فعلته البي بي سي، فكثيرا من موضوعاتها تتسبب في أزمات سياسية وتترك آثارا سلبية على المجتمع، إضافة إلى تشويه صورة الدولة والإساءة إلى شخصيات ورموز وطنية شريفة. وعلينا إذا كنا بصدد عدم تكرار التجارب السيئة لتلك القنوات، ضرورة التنبيه على المراسلين الأجانب أو المحليين الذين يعملون لدى قنوات أجنبية أن يتحروا مصداقية الخبر والتأكد من الأخبار والحقائق والابتعاد عن التشويه والتجريح وقلب الحقائق بهدف الإساءة ونشر الفتن، حتى لا يتعرض المجتمع للتدمير وتقويض بنيانه وأركانه. فالإساءة والتشويه والتجريح وممارسة التحريض ضد الآخرين وتجاوز الخطوط الحمراء وحدود الدين والأخلاق والآداب والذوق العام، أمر مؤسف بحق، وللأسف فإن العصر الإعلامي الذي نعيشه شاهدنا فيه إعلاميين كثيرين وقد فقدوا صوابهم وقلبوا الحقائق وشوهوها ولعبوا دورا كبيرا في تضليل الرأي العام وخداعه بهدف تحقيق مصالح ومنافع لمصلحة فئة قليلة. وعلى هؤلاء أن يعلموا أن المصداقية هي معيار المشاهد، وإذا اكتشف هذا المشاهد أن تلك القناة تلعب به وتغشه وتبثه ضلالا وفتنة، سيتحول إلى أخرى بضغطة زر، وربما يستطيع إعلامي أو قناة غش المجتمع لفترة، ولكنها لن تضلله للأبد، فمستوى الوعي والثقافة ارتفع وأصبح بمقدور المواطن التمييز بين الغث والسمين في المواد الإعلامية التي تنشر هنا وهناك. ولن أدعي جورا إذا دعونا إلى إعادة تشديد الرقابة مرة أخرى على القنوات الوافدة حتى نتجنب كوارث الإعلام والتقارير السامة على المجتمع فهي وسيلة من وسائل الهدم وليس البناء. فالإعلام له دوره الكبير في بناء المجتمعات وتَرسيخ مفاهيم حرية الرأي والتَعبير والديمقراطية السليمة، وليس التخريب والوقوف مع مجموعة ضالة ضد أخرى على حق. نحن لا ندعو هنا إلى وضع القيود على العمل الإعلامي، ولكن نطالب بوضع ضوابط مشددة وتشكيل لجنة علمية تراقب ميثاق الشرف الإعلامي، على أن تكون حرية الإعلام مكفولة وفقا لتلك الضوابط ومنح الإعلام الحق التنافس وتحقيق السبق، بشرط عدم إثارة التعصب والنعرات الطائفية والقومية، وفي حدود ضوابط مهنية وأخلاقية. على أن تكون مهام تلك اللجنة مراقبة التزام الفضائيات والقنوات الإخبارية بنشر الحقائق والأصول المهنية وعرض كافة وجهات النظر حول القضية المطروحة. وتوجيه تحذير للفضائيات في حال تعمدت تضليل الرأي العام والتلاعب بمشاعره، أو تعمدت بث تقارير تدعو للتعصب واعتمدت على صور مغلوطة ومشوهة للآخر، أو خرجت عن الآداب العامة.