12 سبتمبر 2025
تسجيلتناقلت معظم وسائل الإعلام العالمية حكاية السيدة الأسترالية فيليس تيرنر التي نالت الماجستير وعمرها 94 سنة، أي بعد أن نال بعض أحفاد أحفادها تلك الدرجة العلمية، وكانت تيرنر في سن الـ 12 عندما هجر أبوها العائلة، فغادرت كرسي الدراسة لتساعد أمها في تربية بقية إخوتها، ثم كبرت وتزوجت وأنجبت سبعة من البنين والبنات، وتبنت طفلين يتيمين، وعندما بلغت السبعين كان عيالها التسعة قد تزوجوا وصار لديها من الأحفاد ما يكفي لتشكيل فريق كرة قدم مع كذا لاعب في دكة الاحتياطي. تعملي إيه يا فيليس يا تيرنر وعيالك صاروا مشغولين بعيالهم، والبيت صار خاليا من البشر؟ التحقت بجامعة أديليد الأسترالية، وبعد سنتين فازت بمنحة وكانت وقتها في الثانية والسبعين، وعادت تحمل بكالوريوس في الأنثروبولوجي «علم الأجناس/السلالات البشرية». وعندها قالت خالتو فيليس: طيب خلصنا من البكالوريوس، هل أبلّه وأشرب ماءه، خصوصا وأنني لم أدخل الجامعة للحصول على مؤهل يضمن لي وظيفة، لأنني أعرف أن القانون لا يسمح لمن هم فوق السبعين ببدء حياتهم العملية؟ لا حل سوى مواصلة الدراسة وهكذا عادت تيرنر إلى جامعة أديليد في استراليا والتحقت بكلية الطب، وتأهلت كطبيبة، ولكن وكما يقول العلماء فكلما اطلعت ودرست تزداد إحساسا بأنك جاهل، فما كان من خالتو تيرنر – وكانت وقتها في التسعين - إلا أن عادت إلى مقاعد الدراسة والعمل الميداني في المستشفيات حتى نالت الماجستير في الطب، (يعني صارت اختصاصية في الطب الباطني) ويحاول المشرف على رسالتها البروفسور هينيغبيرغ حالياً إقناعها بالعمل للحصول على الدكتوراه وهي التي بلغت الـ 94!! تخيل أن شخصاً عربياً في السبعين (رجلاً بالتحديد لأنه لا سبيل لضرب المثل بامرأة عربية فوق السبعين تفكر في مجرد المرور بمحاذاة سور أي جامعة لأن أهلها كانوا سيربطونها بالحبال ويسلمونها إلى مستشفى للأمراض النفسية والجلدية! أو يسلمونها لدجال ليقوم بطرد الجان الذي تلبسها). وتخيل أن مثل ذلك الرجل كان سلفاً يحمل بكالوريوس مع مرتبة الشرف في مادة ما، ولديه إنجازات معروفة لدى الكافة، قرر الذهاب إلى أقرب جامعة للحصول على ماجستير (رغم أن المعارف والخبرات التي اكتسبها في الحياة العملية تؤهله لتدريس الأساتذة الجامعيين الذين يشرفون على الدراسات العليا). ولكنه يريد الماجستير لأنه أدرك أن كل ما أنجزه لا يحظى بالتقدير الكافي لأن مؤهلاته «حي الله» حتة بكالوريوس. حتما لن يتمكن مثل هذا الرجل من اجتياز البوابة الخارجية للجامعة لأن جماعة السكيورتي (الأمن) كانوا سيصيحون فيه فور رؤيته وهو يقترب من البوابة: روح حجي.. هاذول طلاب ما عندهم شيء! روح عند المسجد تلاقي محسنين؛ ويشرح لهم الرجل أنه لا يريد من الطلاب صدقة فيصيحون بحزم: يا عمي التسول ممنوع حتى من الأساتذة.. ترا هم بعد يستحقون الزكاة.. روح قبل لا أنادي لك الشرطة. تكويننا العقلي والفكري لا يسمح لنا بقبول فكرة أنه ليس هناك «سن يأس» في مجال المعرفة والتحصيل والبحث العلمي، والعقلية التي تجعل اللوائح فوق البشر ومصالحهم هي التي تحول أساتذة جامعات نابهين إلى مجرد روبوتات يتم تحريكهم بالريموت كونترول الخاص بـ «الجداول» والمقررات.. والاختبارات والامتحانات الفصلية والنهائية. وأعرف أساتذة جامعات تعرضوا للاستجواب لأنهم يقضون وقتاً طويلاً في المختبرات أو المكتبات بعد نهاية الدوام، ومصدر الشكوى مسؤول الأمن الذي لديه أوامر بإغلاق كل المكاتب والقاعات في ساعة معينة من الليل. ولهذا أقول إنه لا مجال لتيرنر عربية، فحتى في المرحلة الابتدائية لا تسمح أنظمتنا بالتحاق طفل في التاسعة فاته قطار التعليم لعذر قاهر بالصف الأول من المرحلة الابتدائية، بل نعرف جميعا أن تلك النظم واللوائح من السخف والعسف بحيث تعطل المسار التعليمي لطفل لأنه عمره يزيد أو يقل عن السن المحددة للالتحاق بالصف الأول الابتدائي بثلاثة أسابيع.