راح ذاك الــزمــن

تتفقون معي أن الزمن يتغير بطريقة دراماتيكية، ولّى كثير من المشكلات كما ظهر الكثير من المستجدات، هل ما نعيشه اليوم هو الفترة الرمادية الانتقالية؟ هل التغيرات الحالية على كافة المستويات نوع من العصف باتجاه النظام الحياتي الجديد؟ أم أن الإعلام المخطط أوهمنا بذلك؟ تساؤل مهم لمعرفة خريطة حياتنا. انتهت المطالبات المدرسية التي تتوسل الوالدين كي يحضروا الى المدرسة لمتابعة اخفاق أو مشكلات أو حتى نجاح أبنائهم، فقد أصبحت المدرسة منزلية وأمام أعين الأم والأب. قلت الصراعات الزوجية القائمة على خروج الزوج المستمر خارج البيت، ومثلها الجدال المستمر بين الآباء والأبناء، فأصبحت المجالس والديوانيات الكترونية والأسرة أكثر قربا والتصاقا، انتهت طوابير المراجعين في المعاملات الحكومية التقليدية وأصبحت كل الإجراءات مهما كان نوعها وحجمها يمكن القيام بها من خلف شاشة الكمبيوتر داخل المنزل. قل كثير من المظاهر الزائفة المتعلقة ببذخ الاحتفالات والأعراس، وتم استبدالها ببطاقات الكترونية للإعلان عن الزواج الذي يقتصر على المقربين المعدودين من أسرة العريسين. مظاهر الرفاه القائمة على الاستعانة بالخدم والمربيات والحشم تلاشت وتكونت مكانها عادات جديدة في الاعتماد على الذات. اختلفت المتطلبات والاهتمامات العامة على كافة المستويات الفردية والمؤسسية في اتجاهات قد تكون نهاياتها غير واضحة، وغالبًا ما يكون لمبادرات التغيير المجتمعية أهداف طموحة، وبالتالي فإن التخطيط لاستراتيجيات محددة على أرض الواقع لهذه الأهداف أمر صعب لابد أن تقوم به الدول على مستوى عال، وحسنا فعلت دولة قطر عندما حددت الرؤية الوطنية لعام 2030 والتي تضم أربع ركائز في التنمية: البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. إن مهمة التخطيط للمستقبل بشكل نظري او عملي تمثل تحديًا، وتعتبر نظريات التغيير (ToC) قاعدة مهمة لنجاح البرامج والأنشطة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني لعدد من الأسباب، وبناء عليه يتأكد المديرون وأرباب العمل والأسر أن ما يتم تنفيذه من جهود أو سلوك تربوي انما يصب في تحقيق تلك الأهداف البعيدة. من أجل تغيير فعال لابد من تقييم الواقع بشكل سريع ومتقن، ودراسة الفرق بينه وبين المأمول في السنوات العشر القادمة، ومن ثم تصميم الأنشطة وتحديد الجهود وتوفير الطاقات المالية والبشرية من أجل الوصول وتحقيق رؤية 2030. أرسل صديق في إحدى مجموعات الواتساب فيديو يضم مقاطع مختارة من الأغاني العربية والخليجية القديمة قد تم تصميمها إعلاميا بطريقة مهنية جاذبة، وكأن لسان حال المرسل يقول "الله على ذاك الزمن ولى وراح". في الحقيقة لو تسأل الذين يتحسرون على الماضي: هل ترغب جديا في العودة لتلك الفترة الزمنية؟ حتما الإجابة ستكون بالنفي، لأن من اعتاد على نعم الله الحالية والتسهيلات المؤسسية في الدولة وعلى نمط العيش الجديد، لن يمكنه العودة للماضي الذي يفتقر لتلك النعم، وأبسطها ملازمة الهاتف النقال معنا باستمرار. وكذلك الوضع الجديد في المستقبل؛ فمن سيعيشه ويتأقلم معه سيتردد في اتخاذ قرار العودة للعشرينات من هذا القرن إن لم يرفضه البتة، عجلة الزمن تدور الى الأمام باستدامة. دورنا التربوي الآن تهيئة الأجيال الحالية للانخراط في المستقبل، كما أن دور المسؤولين تهيئة المجتمع المدني لاحتواء التغييرات القادمة ذات التحديات الغامضة. شمس الصباح تغيير، والانتقال من العزوبية الى الزوجية تغيير، والانخراط في وظيفة تغيير، وقدوم طفل جديد على الأسرة تغيير، ومفارقة حبيب إلى الأبد تغيير، وتأسيس مصدر دخل خاص وافتتاح شركة تغيير، وقراءة كتاب جديد تغيير، والسفر والتعارف بالآخرين تغيير، لا منتهية هي صور التغيير في حياتنا اليومية، إلا أن التغيير المطلوب هو التغيير المخطط له نحو الأفضل في ظل عاداتنا وموروثاتنا وديننا، ويعتقد خاطئا من يؤمن أن التغيير هو تبديل الهوية أو الخضوع للانفتاح الساذج أو خلع ثوب الدين والفضيلة. آخر المطاف: من أفضل مبادئ رؤية قطر الوطنية 2030 مبدأ حماية القيم الأخلاقية والدينية والتقاليد. نعم للتغيير المتلازم مع تلك المبادئ والحفاظ على اللحمة الوطنية والولاء الوطني العالي. همسة: لا تكن سببا في ألم ووجع أحد، فكل القلوب مليئة بما يكفيها. دمتم بود [email protected]