13 سبتمبر 2025
تسجيلنسير في دروب الحياة منذ نشأتنا في هذه الدنيا تحفظنا رعاية الله أولًا وقبل كل شيء، ثم نلتقي الكثيرَ من الأشخاص المؤثرين في حياتنا، يكون لهم فضل علينا في مشوار العمر، ولعل من أجمل المواقف التي تُعلِّمنا الوفاء لأصحاب الفضل علينا هذا الموقف العظيم من نبينا الكريم؛ محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الموقف لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف، بعد أن بقي شهرًا يدعو أهلها، ولم يجد منهم إلا الأذى، رجع إلى مكة، فدخل في جوار المُطعِم بن عدي وكان كافرًا فأجار النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأمر أولادَه الأربعة فلبسوا السلاح، وقام كل واحد منهم عند الركن من الكعبة، فبلغ ذلك قريشًا فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تُخفَر ذِمَّتك! ومات المُطعِم مشركًا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينسَ له ذلك الفضلَ، فأراد أن يُعبِّر عن امتنانه لقبول المُطعِم بن عدي أن يكون في جواره في وقتٍ كانت مكة كلها إلا نفرًا يسيرًا ضد النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهت غزوة بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ)) رواه البخاري. يقصد لو كلمني المُطعِم في أسرى قريش لأطلقتهم له دون فداء. وذلك مكافأةً له على فضله السابق في قبول الجوار. فانظروا إلى أخلاق النبوة مع صاحب الفضل الكافر!! فما بالكم بأصحاب الفضل من المسلمين؟!! لا شك أن الوفاء لفضلهم أشدُّ وعدم نسيان أفضالهم أَولَى وأقوى. ثم يأتي بعد ذلك فضل الآباء والأمهات، ثم الأرحام، وفضل الزوجين على بعضهما البعض، ثم نتدرج في علاقاتنا الاجتماعية على مدار مراحل العمر؛ فلكل مرحلة أشخاصها ومواقفها المهمة وأصحاب الفضل فيها. والفضل الذي نقصده هنا هو الإحسان للشخص ابتداءً بدون عِلَّة ولا أجر ولا مصلحة ولا أي غرض دنيوي. وتذكُّر فضل الآخرين درب من دروب الوفاء ولا شك أن كل شخص منا في مشواره لديه مجموعة من الأشخاص لهم فضل عليه بعد فضل الله وأثر طيب في حياته. والمسلم مطالب بالحفاظ على أواصر المحبة والمودة لإخوانه؛ فلا ينسَى فضلَهم ولا يجحد معروفَهم؛ قال تعالى في كتابه العزيز: { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [البقرة: ٢٣٧]. فالآية الكريمة وإن كانت جاءت في سياق آيات الطلاق إلا أن الأوامر والتوجيهات التي تحملها عامة مطلقة في العلاقات الاجتماعية بشكل عام لا تخص الزوجين فقط، بل في كل علاقة اجتماعية سواء بين الزوجين، أو بين الأرحام والأصهار، وكذلك الأصدقاء، ورفقاء الدراسة، وزملاء العمل، كل هؤلاء لا بد من تذكُّر مواقفهم الطيبة الجميلة التي كان لهم فيها فضل واضح وكبير على حياتنا. فلا ينسى المسلم الصادق النقيُّ أصحاب الفضل عليه سواء من شخص قريب، أو زميل قدَّم له نصيحة غيَّرت مجرى حياته إلى الأفضل، أو من أستاذه أو شيخه الذي استشاره في أمر فأشار عليه بما كان سببَ سعادته ونجاحه، أو من مديرك في العمل الذي دعمك وعلمك حتى اكتسبتَ الخبرات وتقدمتَ في عملك وصار لك شأن كبير، أو من صاحب تجارة وفَّر لك عملًا مناسبًا، أو شفع لك عند أحد معارفه فكانت هذه الوظيفة سترًا لك ورزقًا ساقه الله لك على يد هذا الرجل لتعول به أسرتك وتعيش حياة كريمة، أو شخص ساعدك من ناحية مالية كمنحة أو سلف، أو شخص كان صاحب فضل عليك بالإصلاح بينك وبين شخص عزيزٍ فكان له الفضل في إنهاء خصومة طويلة ولَمِّ الشمل من جديد، أو شخص كان صاحب فضل عليك في الإصلاح والتقريب بينك وبين زوجتك فاستقرت أموركم بفضل حكمته. كل هذه المواقف وغيرها الكثير يقابلنا فيها أشخاص لهم حتمًا فضل على حياتنا بشكل كبير؛ لذلك حثَّنا ربنا سبحانه وتعالى على عدم نسيان الفضل بيننا حتى تعمَّ المحبة وتدوم العلاقات الطيبة بيننا؛ فإذا امتدت بك الحياة وحدث خلافٌ أو خصومة ما بينك وبين ذوي الرحم كالأعمام والأخوال وبني العمومة فَلَو تذكَّرتَ لهم فضلهم عليكَ في مواقف سابقة لَرَاقتْ نفسك، وذهب غضبكَ، وتجاوزت وعفوت عنهم مجازاةً لفضلهم القديم. وهكذا خلافاتك مع الرفاق والزملاء... تذكَّر مواقفَ فضلهم السابقة حتى تدوم المحبة وتصفو النفوس، فيجب علينا جميعًا أن نتذكَّر الإحسانَ والفضلَ فيما بيننا حتى يدوم الوصال والمحبة في الله والأخوّة الصادقة. اللهم طهِّر قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واجعلنا من الشاكرين لفضلك ونِعَمِك التي لا تعد ولا تحصى، واجعلنا من عبادك الصالحين، ولكل صاحب فضل ذاكرين ومعترفين وشاكرين... يا رب العالمين.. اللهم آمين. [email protected]