31 أكتوبر 2025
تسجيلإن ديننا الحنيف دين واقعي يتعامل مع الأحداث ومع الواقع، ولا يذهب في تشريعاته مع الخيال أو المثالية غير القابلة للتحقيق، ومن ثم كان من الطبيعي أن يتعامل مع قضية الأسرى كواقع يفرض نفسه على الحياة، لا أن يتجاهله أو يفرض لها حلا عاطفيا غير واقعيٍ، لذلك فإنه يتعين على المسلمين في بعض الظروف مثل أن يكون العدو قد أسر من المسلمين رجالا يلزم أن نبادلهم بأمثالهم، فلقد كانت القاعدة العامة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في أّول غزوة غنم فيها المسلمون أسرى هي أن يستوصوا بالأسرى خيرا، فلم تكن هذه المعاملة الحسنة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسرى مجرد قوانين نظرية ليس لها تطبيق في واقع الحياة، ولكنَها تمثلت في مجموعة من المظاهر التي تنبئ عن قلوب ملأتها الرحمة وعن مشاعر فاضت بالعطف والحنان، وذلك مما يميز الفرد في المجتمع الإسلامي وهو فعاليته ونشاطه ودأبه في خدمة الناس، فمن أجل العهد مع الله والأمانة والوفاء في الحياة الدنيا لابد أن يدرك الحقوق والواجبات في الإسلام فلا تطغى حياته الدنيا على آخرته فيخسرهما جميعا، وبما أن هذه الأيام أيام خير وعطاء فلابد وأن تجعل همك هو ابتغاء مرضاة الله تعالى حتى تجعل من صومك وسيلة للانتفاع به في الدنيا والآخرة ويكون ذلك بحرصك على الناس والاهتمام بشأنهم وتقديم يد العون لهم ومعرفة دعوة الدين الحق ومنهجه في التعامل بالرحمة حتى مع الأسرى.فالإنسان في رمضان لابد وأن يعلم أن عليه مسؤولية ينبغي أن يؤدي ما عليه من واجبات حتى يكتب عند الله من السعداء، فمسؤوليتنا نحو الناس عظيمة والحذر من التقصير فيها، فما أحوج أبنائنا في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا إلى مثل عليا، وقدوة صالحة يتخذونها نبراسا يهتدون بها في حياتهم الخاصة والعامة، وتاريخ سلفنا الصالح حافل بهذه المثل التي نمر عليها في قراءتنا بدون وعي ولا تأس ولا اهتداء كأنما نقرأ للثقافة فحسب، وما جدوى الثقافة والمعلومات إذا لم يكن له أثر في توجيه شباب الأمة إلى خير العمل وعمل الخير في هذه الحياة، فقد نزل القرآن الكريم للبناء والعطاء, لبناء الإنسان الخير السوي وعطاء الحضارة الندية السخية، وإن بعد الناس عنه فسيبقى نداؤه ملحا وهديه ميزانا لأنه جاء للإنسان وإن أي فكرة لا تتصل بالإنسان، وأي عقيدة أو مبدأ لا يتوجه للإنسان بخير أو ضر لن يكون لها في البشرية صدى ولن تعمر طويلا من المدى فقد كان يتعالم المسلمون مع الأسرى بالرحمة والخلق، فكانوا يجعلونهم في أحد مكانين إما المسجد وهو أشرف مكان عند المسلمين، وإما بيوت الصحابة رضي الله عنهم، وكان المستهدف من إبقاء الأسرى في المسجد أن يروا أخلاق المسلمين وعبادتهم لعلهم يتأثرون به فيدخل الإيمان في قلوبهم، وأما إبقاء الأسرى في منازل الصحابة رضي الله عنهم فكان هذا إكراما كبيرا من المسلمين لهؤلاء الأسرى، فالفطرة السليمة تأبى التعذيب للنفوس البشرية، بل إنها لا ترضى بتعذيب الحيوان أو الطير وقد ربى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام رضي الله عنهم على الرحمة، فكان الصحابة رضوان الله عليهم نماذج عملية في الرحمة ببني البشر جميعا مسلمين وغير مسلمين، وإن من أعظم الأفكار التي كانت تصاحب البشرية على امتدادها، هي تنشئة الإنسان تنشئة صحيحة وتربيته تربية سليمة قويمة ووضعه الموضع الصحيح المريح من هذا الكون بأحيائه وجماداته في حاضره ومستقبله، فمن أخلاق الإسلام أيضا في التعامل مع الأسرى بالرفق ولين الجانب حتى يشعروا بالأمن والطمأنينة، وهذا ما نتعلمه من الهدي النبوي التي شملت البشر جميعا.