15 سبتمبر 2025

تسجيل

(تحرير الموصل).. استمرار التخبط

27 يونيو 2015

بعد طول جعجعة وقرع للطبول تبعها صمت رهيب، عادت صيحات الحرب من جديد في بغداد لتعلن قرب تنفيذ الحركات العسكرية التمهيدية لتحرير الموصل من قبضة تنظيم الدولة والواقعة تحت سيطرته منذ يونيو عام 2014. وذلك عبر تكتيك عسكري يتسم بالمرحلية ووفقا لأسلوب الخطوة خطوة واستغلالا لفصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، رغم أن هذا العنصر لصالح مقاتلي التنظيم أساسا. المهم أن الحركة لا تنقطع والاتصالات مستمرة بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية من أجل تحقيق هذا الهدف الذي يبدو وفقا لقراءة خارطة إدارة الصراع بأن الهدف من إثارته هو إعلامي ونفسي محض، فالمعارك لم تحسم بعد في قضاء بيجي الذي شكل حالة استنزافية رهيبة لقوات الحكومة والحشد الشعبي معها، كما أن الوعود الحكومية بتحرير مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار من قبضة مقاتلي التنظيم قد ذهبت أدراج الرياح في ضوء الصراع الخطير بين الهدف العسكري للجيش العراقي، وبين الأهداف والأجندات الانتقامية لقوات الحشد الشعبي التي تصر على إحداث مجازر متنقلة وتطبيق سياسة الرعب الشامل والأرض المحروقة في مناطق القتال من أجل استغلال الفرصة المتاحة وإحداث متغيرات ديموغرافية خطيرة تستفيد منها مجاميع الأحزاب الطائفية ذات المرجعية الإيرانية المنضوية تحت لواء ذلك الحشد، وجميعنا يتذكر التهديدات الانتقامية والدموية التدميرية التي أطلقها عدد من قادة ذلك الحشد علنا والقاضية بالدعوة لتدمير مدينة المساجد العراقية (الفلوجة) على رؤوس أهلها، لكونها (رأس للأفعى)، كما قال الإرهابي الدولي أبو مهدي المهندس (جمال جعفر إبراهيمي) وهو نائب القائد العام للحشد، أو كما أكد هادي العامري قائد فيلق بدر العراقي التابع للحرس الثوري الإيراني أو عبر ما دعا إليه القيادي في المجلس الأعلى الإيراني قاسم الأعرجي. إذن فإن عوامل الانتقام متوفرة وصيحات الثأر الطائفية والعشائرية المتصاعدة تعطي المرء دليلا عن حجم وطبيعة المذبحة العراقية القادمة في ظل مساعي حكومية واضحة لتنفيذ مجزرة بشعة عبر تنفيذ أحكام الإعدام في 7000 شاب عراقي معتقل لم تصادق مؤسسة الرئاسة على قرارات إعدامهم لتتقدم وزارة العدل للتنفيذ دون أخذ مصادقة رئيس الجمهورية، وهو ما يعني فوضى حقيقية وانهيارا فعليا للدولة العراقية ومؤسساتها السيادية المفترضة، وتلك الجريمة لو تمت فإنها ستحرق الأخضر واليابس في العراق وستكون الإعلان الحقيقي والحاسم في تشظي العراق ولربما امتداد الحريق العراقي لخارج الحدود.. وفي ظل هذه الأوضاع الشاذة من التشرذم والشقاق وعدم اكتمال التسليح والاصطفافات الطائفية الرثة، فإن الحديث عن تحرير الموصل يبدو مثيرا للسخرية، وهو لا يعدو أن يكون مجرد أحاديث في الهواء، فرغم المساعدة اللوجستية الضخمة لطيران التحالف في ضرب تنظيم الدولة إلا أن الطيران وحده لن يحسم المعركة أبدا، بل إنه عنصر مساعد يحتاج لرجال ولحرب عصابات ولتكتيكات وأهم كل شيء لعقيدة قتالية وطنية فاعلة وليست انتقامية طائفية ترتد وبالا على صدور مطلقيها والناعقين بها.لقد بينت الخسائر البشرية الكبرى التي دفعها ويدفعها الحشد الشعبي ومستشاروه من الإيرانيين عن دقة وصعوبة المعركة التي لا يمكن كسبها بالشعارات الرثة ولا بصيحات الثأر المستهجنة، بل بأساليب وروح قتالية مازالت القوات العراقية والمشتركة معها بعيدة كل البعد عنها، فتعزيز الصف الوطني خلف قيادة مركزية موحدة أمر غير موجود بالمرة، وحالة الانفلات الأمني والتسيب العسكري هي السائدة، كما أن حرب التصريحات الطائفية الاستفزازية تضيف للمشهد المتوتر المنفجر أبعادا درامية لا يمكن تخيل نتائجها السلبية والضارة. وإزاء كل ما تقدم فإن تحرير الموصل يظل وهما وسرابا بعيد المنال في ضوء الفوضى العراقية المهلكة وغير الخلاقة.. ستكون جولات ساخنة جديدة من القتال لن تغير المشهد إلا عبر بوابة توسيع مساحات القبور وزيادة الانهيار في الوضع الداخلي العراقي، قيادة العمليات تحتاج لأدوات وعناصر حاسمة لا تمتلكها القيادة العراقية التائهة الحالية.وتلك وأيم الله قاصمة الظهر!