11 سبتمبر 2025
تسجيلمعركة الدستور تعكس تجذر حالة الانقسام و تهدد مسار الثورة ثمة هواجس باتت تطغى على وجدان الشارع في المحروسة أو بالأحرى قل ثمة مخاوف بعد مضي أكثر من نصف العام على انبثاق ثورة الخامس والعشرين من يناير التي حشدت النفوس والعقول والأفئدة باتجاه التخلص من نظام الطغيان والاستبداد الذي جثم عليها على مدى ثلاثين عاما، ويمكن تحديد مصادر هذه الهواجس والمخاوف حسب متابعتي لمفردات الواقع المصري بالذات خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة فيما يلي أولا: بروز حالة استقطاب حاد بين القوى التي شاركت على نحو أو آخر في الثورة على نحو جعل مصر تعيش ما يمكن وصفه بالفسطاطين؛ الأول يحتوي الجماعات الإسلامية التي دخلت بقوة على خط الثورة سعيا إلى تكريس حضورها ودورها اعتمادا على خطاب يستخدم المفردات الدينية من قبيل الشريعة والحدود دون أن يمتد -للأسف- إلى الصيغ الدينية التي تعلي من قيمة الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان، ومحددات التنمية والتحديث إلى ما تتطلع إليه مصر وهي قضايا جوهرية في الحراك السياسي المصري الذي قاد إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير، بينما يضم الفسطاط الآخر القوى السياسية ذات الصبغة الليبرالية والقومية واليسارية وائتلافات الثوار بتعدد اتجاهاتهم وانقساماتهم الحادة بدورها والتي أبدت انزعاجا من محاولة استغلال الرموز والخطاب الإسلامي في الحركة السياسية ومخاطبة الرأي العام المصري ووصل الأمر إلى حد محاولة التخويف من تداعيات وقوع أي مقاربة قد تفضي إلى تولي الإسلاميين بمختلف توجهاتهم إخوانية أو سلفية أو جماعات أخرى السلطة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة. ثانيا: اشتداد المعركة على الدستور القادم والتي تعكس تجذر حالة الانقسام التي تهدد مسار الثورة حيث تتخندق القوى السياسية وائتلافات الثوار خلف مطلب الدستور أولا أي السعي إلى إعداد الدستور المصري الجديد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل وتأجيلها إلى وقت لاحق بعد الانتهاء من إقرار هذا الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وهو ما قوبل برد فعل شديد من قبل الإسلاميين مدعومين من قوى نافذة الذين اعتبروا المسألة بمثابة انقلاب على الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بل إن الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي ذي الميول الإسلامية والأقرب لحزب الوسط المنبثق بدوره عن عباءة الإخوان المسلمين رأى أن هذا التوجه يمثل عبثا واستخفافا بعقول 14 مليون مصري قالوا نعم للتعديلات الدستورية التي أقرت في الاستفتاء الذي جرى تنظيمه في مارس الماضي، واللافت أن الخلاف تجاوز البعد النظري والتصريحات الإعلامية إلى التلويح باللجوء إلى الشارع من قبل الفريقين فقد أعلن أصحاب خيار الدستور أولا عن تنظيم مليونية يوم الجمعة الموافق الثامن من يوليو للحصول على الإسناد الشعبي لمطلبهم وهو ما سيجعل أصحاب الاتجاه الآخر إلى الرد عليهم بمليونية أخرى يملكون من دون شك القدرة على تنظيمها وفرض حضورها في الشارع. وفي الوقت نفسه برز تيار وسطي بين هاتين الرؤيتين مثله بعض المنتمين إلى التيار الليبرالي وفي مقدمتهم الدكتور عمرو حمزاوي الناشط السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والذي أعلن رفضه لدعوة الدستور أولا، ورأى أنها تعد بمثابة انقلاب على أول تجربة ديمقراطية نزيهة جسدها استفتاء مارس الماضي معتبرا أن من يروجون لهذه الدعوة يتغاضون عن إرادة الشعب التي تحققت عبر هذا الاستفتاء لكنه في المقابل يؤيد تأجيل الانتخابات البرلمانية القادمة حتى تكون الأحزاب السياسية مستعدة لخوضها علي نفس القوة. ثالثا: هناك قدر من الغموض في الأداء الحكومي تجاه التعامل مع مطالب جماهيرية على نحو جعل فئات عديدة تبدي استياءها؛ نظرا لعدم وفاء حكومة الدكتور عصام شرف ببعض الوعود التي قدمتها في بداية تشكيلها، خاصة أن رئيسها استند إلى شرعية ميدان التحرير فضلا عن استمرار البيروقراطية التي تعطل الاستجابة السريعة لبعض المطالب الآنية من قبيل تعويضات مصابي وشهداء الثورة، والأهم من ذلك ما احتوت عليه الموازنة الجديدة للدولة التي سيبدأ تطبيقها الأول من يوليو المقبل، والتي اعتبرها نفر من الخبراء مجرد إعادة إنتاج لموازنات سابقة في زمن مبارك والتي لم تتجاوب مع أشواق الأغلبية والفقراء وبالذات على صعيد تحقيق العدالة الاجتماعية وهو أحد مطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير مع تباينات بسيطة للغاية مما لا يجعل للتغيير الذي أحدثته قيمة حقيقية في حياة الناس، فالأسعار في السلع الأٍساسية تشهد تزايدا لا انخفاضا، والزيادة في الدخول محدودة حيث لم تتجاوز نسبة الـ15 في المائة، وما تم الإعلان عنه من حد أدنى للأجور لم يشبع الأشواق المتوهجة لتحسين دخول موظفي الدولة والقطاع العام منذ سنوات خاصة مع بقاء التفاوت مع الحدود القصوى للأجور التي لا تحكمها قاعدة رغم حديث متواتر في وسائط الإعلام عن تحديد مرتقب لها إلى جانب استمرار الكثير من طبقة المستشارين الذين كانوا يحصلون على مرتبات خيالية من عهد الحكومة السابقة في كثير من المواقع. رابعا: ما يسمى بالانفلات الأمني ما زال حالة قائمة بذاتها على نحو يبعث على قلق العائلات المصرية صحيح أن ثمة جهود مقدرة تبذلها وزارة الداخلية بالتعاون مع الجيش لكن ما تنشره الصحف عن تفاقم محاولات سيطرة من يوصفون بالبلطجية وتكرار حوادث الهجوم على رجال الشرطة من قبلهم فضلا عن بقاء بعض الأماكن بعيدة عن السيطرة الأمنية والمرورية يفرض ضرورة البحث عن بدائل تعيد للقانون هيبته وسطوته المفقودة منذ سنوات مبارك وأظن -وليس كل الظن إثما- أن هناك دوائر ربما داخل المؤسسة الأمنية التي مازالت تخضع لهيمنة بعض قيادات كانت قريبة من وزير الداخلية السابق وتدين بالولاء لنظام مبارك -الذي كان كريما معهم على نحو مبالغ فيه- تسعى من خلال بقاء حالة الانفلات الأمني إلى محاولة دفع المواطنين إلى الكفر بثورة الخامس والعشرين من يناير والتحسر على عصر الرئيس الراحل فضلا عن جهات أخرى ما زالت تعبث بمقادير الثورة. خامسا: بطء التغيير في الأجهزة الحكومية والمؤسسات التي تقود البلاد فأغلبها ما زال يدار بنفس الأشخاص الذين عينهم نظام مبارك واللافت أن كثيرين منهم حولوا ولاءهم إلى الثورة، وباتوا يتحدثون عما أحدثته من تحولات في الواقع المصري بشكل يتجاوز من أشعلوها وأصبحوا نجوما في الفضائيات متخصصين في التنظير لفضائلها وهذا البطء في التغيير بالذات بعث برسالة شديدة السلبية للمواطنين الذين حلموا بالثورة وشاركوا فيها، مما جعل البعض يفقد حماسه، ويستسلم لحالة من الإحباط دفعت البعض إلى صب جام غضبه على الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، والمطالبة بتغيير حكومته رغم أن الرجل يحاول أن يدفع الأمور باتجاه إيجابي، وقدم كشف حساب لحكومته يوم الخميس الفائت بعد مرور مائة يوم عليها، لكنه لم يشبع نهم الناس التي تتطلع إلى المزيد والمزيد من الأفعال على الأرض التي تتماس مع متطلباتهم اليومية. سادسا: ركود المتابعات القضائية لرأس النظام السابق ورموزه، فرغم دخولهم السجون على ذمة التحقيقات بالذات مبارك ونجلاه وكبار مساعديه إلا أن ثمة شكا يسكن الكثير من الدوائر الشعبية والإعلامية باتجاه حسم الأمور، خاصة مع بروز دعوات بالعفو عن مبارك وهو ما أثار جدلا واسعا في الشارع المصري رفض في اتجاهه العام فكرة العفو، بالإضافة إلى ذلك، فإن إجراءات التقاضي تتسم بالبطء مع هروب عدد من كبار رجال الأعمال والوزراء السابقين إلى الخارج إلى دول لا ترتبط بمصر باتفاقيات لتبادل المجرمين مما يعني بقاء أموالهم بعيدة عن إمكانية استعادتها. السطر الأخير: تسكنين وحدك مسافة الروح تبثين فيض عنفوانك السرمدي بالقلب الذي يرقب هطول مطرك لا تعبثي بقصائدي فيك لا تسطري بدفاتري وجعا أو وهما لا تفجري عواصف من ريح خافتة لا تشعلي نارا مطفأة أنت من رسمتك عنواني بهجة لطفولتي سكنا لعصافيري عشقي يسافر فيك ينتظر رحيق الوجد يطلع من عينيك يحتويني يعيدني إلى سيرتي الأولى