10 سبتمبر 2025
تسجيلستيفاني مونتينو سيدة أمريكية تعرفت عليها من أيام بالصدفة وأنا أتجول في قصبة الأوداية التاريخية في شمال شرق العاصمة المغربية الرباط. كانت تصور لقطة ظريفة لقطة تشرب الماء من على حافة نافورة تتوسط حديقة القصر التاريخي المهيب، فأعجبني المشهد وتجرأت على تصويرها من بعيد قبل أن أستأذنها خوف أن تفوتني اللقطة. التقت عدة صور لها، وبعدها ذهبت إليها مباشرة لأريها الصور. فرحت جدا بالفكرة وضحكنا. ثم تبادلنا الحديث عن الأوداية وتاريخها العجيب ومعالمها التي ما زالت باقية تتحدى الزمن من دون تغيير يذكر كما يبدو وعن... ثم جمدت اللحظة وتوقف الحديث! شهقت ستيفاني عندما رأت دبوساً بخريطة فلسطين مثبتاً على صدري. شعرت أنها فرحت برؤية الدبوس وأحست بنوع من الانتماء لي. سألتني من أين أنت؟ قلت من الكويت. قالت؛ وأنا من الولايات المتحدة الأمريكية ولكنني أحب فلسطين. حرصت على ترداد كلمة فلسطين أكثر من مرة أثناء الحديث، وكانت تخلط بين النطق العربي والنطق الأمريكي للكلمة. أضافت بصوت متحشرج، ودموعها تكاد تنهمر أنها مؤمنة بالقضية الفلسطينية وأنها تعمل كثيرا من أجلها قدر استطاعتها. انتبهتُ عندها أنها تضع كوفية بلون أحمر داكن على كتفيها.. وواصلنا حديثنا عن فلسطين.. فبكت! التقطنا الصور وتبادلنا أرقام الهواتف وافترقنا لنكمل بقية الجولة في القصبة التاريخية ومعالمها التي تعود لعصر الموحدين. كنت ما زلت مبهورة بالموقف ودموع ستيفاني التي تسبب بها دبوس صغير تتوسطه خريطة فلسطين بلون أخضر. شعرت بالخجل أنني لم أعرض على ستيفاني أن تأخذ الدبوس الذي لفت انتباهها. فقررت العودة للبحث عنها وإهداءها إياه رغم ارتباطي الشديد به. دقائق قليلة في أرجاء القصر ووجدتها، فناديت عليها وأنا أمسك الدبوس بيدي بعد أن نزعته من عباءتي. قلت لها عندما أقبلت أنني قررت أن أهديها الدبوس. فقالت لا. رفضت بشدة أن تأخذه مني. قالت دعيه مثبتا على صدرك دائما.. حتى يسألك الناس عنه عندما يرونه فتكون مناسبة للحديث عن فلسطين. أضافت: لدي الكثير من التذكارات الفلسطينية في بيتي في الولايات المتحدة الأمريكية. نادت على زوجها وابنها لتعرفني عليهما، فحدثني زوجها بالعربية وبلهجة مصرية جميلة عما تفعله ستيفاني من أجل فلسطين؛ عن انخراطها في جمعيات ونشاطات ومساهمات من أجل هذه القضية. اكتشفت أن الزوج مصري وهو يشاركها الاهتمام بالقضية طبعا، وربما يكون سببا في تعرفها على القضية لأول مرة. لم أتأكد من تلك المعلومة لكنني سأعرف الكثير عن الأمر بعد التواصل معها لاحقا كما وعدتها وأنا أودعها. قبلتها بحب شديد، وافترقنا ثانية. من بعيد لوحت لي بإشارة النصر فعرفت أنها تريد أن تقول أن فلسطين ستنتصر في النهاية. طبعا ستنتصر بإذن الله ما دامت قد أصبحت تتمتع بهذا الوهج الذي يكاد يغطي العالم كله، ويجعل سيدة أمريكية تقضي إجازتها الخاصة مع عائلتها في المغرب لا تتخلى عن الكوفية فتضعها على كتفيها حتى يسألها عنها الناس إن رأوها فتتكلم عن فلسطين. لم يكن ذلك الموقف الذي لم يستغرق من رحلتي ورحلتها سوى دقائق قليلة أمرا صغيرا ولا موقفا عابرا أو مجرد صدفة قد تتكرر بين سياح يلتقون في مكان ما فيتعارفون تعارف الغرباء وينتهي الأمر عندما يعودون إلى بلدانهم ليبقى ذلك التعارف مجرد ذكريات جميلة، بل إنه إشارة قدرية واضحة تنبؤنا بأن فلسطين باقية وأن قضيتها حقيقة وأن قضيتها أمل لا بد أن يتحقق.. وقريبا بإذن الله تعالى. آخر ما قالته لي ستيفاني وهي تودعني أننا سنلتقي في المرة المقبلة في فلسطين.. إن شاء الله. وحرصت على أن تنطق العبارة الأخيرة بالعربية: إن شاء الله. نعم.. سنلتقي في فلسطين المحررة يا ستيفاني إن شاء الله.