15 سبتمبر 2025
تسجيلفي سنة 638 هـ قام حاكم دمشق الصالح اسماعيل بتسليم أحد الحصون المهمة للصليبيين، لأنه كان يخشى على ملكه من الملك الصالح أيوب في مصر، وسمح الخائن اسماعيل للصليبيين بشراء السلاح من دمشق والاستعداد لحرب المسلمين في مصر، في واحدة من اكبر خيانات الدهر، الامر الذي شق على العالم الجليل فلم يصبر على هذه الخيانة، فأفتى للناس انه يحرم عليهم التجارة مع الصليبيين لأنهم يعرفون انهم ما اشتروا السلاح الا لقتال المسلمين في مصر. ثم صعد منبر المسجد الأموي، وذمَّ موالاة الأعداء، وقبّح الخيانة، وشنّع على السلطان، وصار يدعو أمام الجماهير بما يوحي بخلعه واستبداله. وكذلك فعل ايضا الشيخ أبو عمرو بن الحاجب شيخ المالكية آنذاك، فقام "الخائن" اسماعيل (ولن أقول الصالح اسماعيل) بسجنهما مدة، ثم اطلقهما بسبب الضغط الشعبي المتزايد، ولكنه الزمهما بالاقامة في منازلهما ثم ان الشيخين خرجا من دمشق فذهب ابو عمرو الى الملك الناصر داود في الكرك، أما الشيخ الجليل والعالم الكبير فتوجه الى مصر، لما اراد الله ما فيه خير وصلاح هذه الامة ولو كره المبطلون. ذاك هو شيخنا عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب، الشيخ عز الدين أبو محمد السلمي الدمشقيُّ الشافعيُّ رحمه الله واعلى قدره، وقد اطلق عليه لقب "سلطان العلماء" تلميذه الاول ابن دقيق العيد رحمهما الله تعالى، وقال عنه الامام الذهبي: "بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين، وقصده الطلبة من الآفاق، وتخرّج به أئمة". وفي مصر قام الملك القوي صاحب الهيبة الشديدة الصالح ايوب، رحمه الله، باستقبال العز بن عبد السلام احسن استقبال، فأكرمه واحترمه وولاه خطابة القاهرة، وهذا من صلاح الملك الصالح ايوب رحمه الله، والذي من هيبته كان بعض الامراء في مجلسه يقولون: والله اننا دائما نقول لن نخرج من مجلس الصالح ايوب الا الى السجن ولن يستطيع احد ان يكلمه لشدة هيبته وقوة شخصيته. ولكن مع هذه الهيبة والصرامة الا ان سلطان العلماء لم يتردد في الانكار عليه، ان رأى ما يجب انكاره، فلم يكن عليه رحمة الله من شاكلة بعض علماء السلطان الذين تتغير فتاواهم بتغير سلاطينهم، عليهم من الله ما يستحقون. ولا يمكن ذكر سلطان العلماء بدون ذكر موقفه الشامخ الباذخ في حرب التتار وفتواه العجيبة والبلد مقبلة على الحرب مع اقوى وأعتى قوة على وجه الارض. حيث انه لما اراد الملك المظفر قطز فرض ضرائب على اهل البلد لتجهيز الجيش رفض ذلك العز بن عبد السلام، وانظر معي لتعرف الموقف وقتها. فقطز لم يستلم مقاليد الحكم الا من اشهر قليلة، ولم يتمكن من احكام قبضته على موارد الدولة المالية بعد، وبنفس الوقت فالمغول على الابواب قد اجتثوا الخلافة العباسية، وتسلّطوا على المسلمين حتى كادوا يفنون هذا الدين وأهله، فمن يلوم قطز ان اراد ان يجمع الاموال بأسرع طريقة؟ ولماذا؟ لكي يصرفها في الجهاد في سبيل الله وليس لنفسه؟. لكن شيخ العلماء الذي لم يجامل سلطانا من قبل أصدر فتواه الشهيرة قائلا: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم يعني: كل العالم الإسلامي وجب عليه أن يقاتل العدو؛ لأنه احتل بلداً من بلاد المسلمين، فتعين الجهاد عند ذلك، ولم يصبح فرض كفاية، ولكن أصبح فرض عين. ثم يقول: وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم - يعني: فوق الزكاة - بشرطين: الشرط الأول: ألا يبقى في بيت المال شيء، فإذا استنفدت أموال الدولة وفنيت في تجهيز الجيش جاز فرض الضرائب بالقدر الذي يسمح فقط بتجهيز الجيش لا أكثر من ذلك. الشرط الثاني: أن تبيعوا ما لكم من الممتلكات والآلات، ويقتصر كل منكم (ايها الامراء) على فرسه وسلاحه وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا. نحن لا نريد عامة تشغب على ولاة امورها بدون علم، كل ما نرجوه هو ظهور أمثال هذا الشيخ ممن ينصحون بصدق فيستجيبون لهم فيتحقق النصر بإذن الله. نحن لا نريد علماء سلطان.. بل نريد سلطان علماء. [email protected]