12 سبتمبر 2025

تسجيل

سايكس - بيكو.. الخديعة الكبرى (3)

27 مايو 2016

اشتغل محور لندن- باريس- بتروغراد طوال عامين على صوغ تفاصيل قسمة تركة الرجل المريض "الدولة العثمانية" بين الدول الاستعمارية الطامعة في أملاك الإمبراطورية الآفلة، وكانت كل دولة تحاول أن تحصل على أكبر قدر من المكاسب، فروسيا كانت تريد إسلامبول "إسطنبول أو القسطنطينية" وتريد أن تسيطر على ضفتي البسفور، وفرنسا كانت تريد شمال بلاد الشمال والموصل "شمال العراق وسوريا ولبنان حاليا" وجزءا من فلسطين، أما إنجلترا فكانت تريد كل شيء، لأنها كانت تدير الدفة في المنطقة العربية، ولكنها لم تتوان عن تقديم بعض التنازلات لفرنسا وروسيا من أجل إتمام الصفقة، والحصول على الغنيمة. المباحثات البريطانية الفرنسية الروسية بدأت في عام 1914، أي مع بداية الحرب العالمية الأولى، وانتهت عام 1916 بتوقيع الاتفاقية الشهيرة بين هذه الأطراف الثلاثة والتي سميت تفاهمات "سايكس- بيكو"، ولم تكن المباحثات بينهم سهلة بل كانت معقدة للغاية وتطلبت اجتماعات شبه يومية في لندن وباريس وبتروغراد، وتم تفريغ طواقم من الدبلوماسيين والخبراء والمخططين، الذين كانوا يتسلحون بالخرائط والمعرفة الميدانية، وكانت عملية التقسيم بين هذه الدول أشبه ما تكون بعملية جراحية دقيقة، فقد كانت المفاوضات تتم وفق آلية النهب القصوى.السؤال الكبير هو: أين كان العرب عندما كانت تتم هذه المؤامرة الكبرى؟ العرب كانوا يعانون من حالة من الضياع والتخلف والأمية والجهل، وهو الضياع الذي لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا، وبينما كانت بريطانيا تقود عملية مفاوضات تقسيم العالم العربي كانت تعطي العرب الوعود بدولة أو "مملكة تضم بلاد الشام والجزيرة العربية" وكانت تغدق الوعود على الشريف حسين وزعماء القبائل، لقد دفعت بريطانيا الثمن الأبخس في التاريخ من أجل تحقيق مآربها الاستعمارية في العالم العربي من دون معارضة أو تمرد أو ثورة، لقد تم "شراء العرب بالوعود" كما قال أحد الدبلوماسيين البريطانيين. بريطانيا لا تزال هي هي، شعار "اكذب واكذب ثم اكذب، وامنح الوعود والمزيد من الوعود"، وفرنسا هي الأخرى تمتهن "فن الكذب" الذي بات ماركة فرنسية مسجلة، أما روسيا فهي تمارس الحماقة وتمارس الكذب المكشوف، لأنه وعلى ما يبدو فإن القدرات الروسية على الكذب ليست متطورة من حيث درجات الإخفاء.لكن المأساة الكبرى هي أن العرب لا يزالون يصدقون بريطانيا وفرنسا وروسيا، ويصدقون أنهم يدعمون الحقوق العربية ويصدقون أنهم يؤيدون ما يسمى عملية التسوية في فلسطين، ويصدقون أنهم يدعمون التنمية في العالم العربي، وهو شيء غريب جدا، فلم يثبت خلال قرن كامل أن الدول الاستعمارية، بريطانيا وفرنسا وروسيا وبعد ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أن أيا منها كانت صادقة.هذه القوى تحالفت بالأمس من أجل القضاء على الدولة العثمانية وبعد ذلك القضاء على الحلم العربي بالوحدة والدولة الواحدة، ثم أقامت الكيان الإسرائيلي، ودعمت عدوان هذا الكيان على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، ودعمت احتلال أمريكا للعراق ودعمت احتلال روسيا وإيران وأمريكا لسوريا، ودعمت تحطيم ليبيا وتدميرها ودعمت تفتيت اليمن ودعمت الانقلاب في مصر، وتدعم الأنظمة الشمولية الدكتاتورية في العالم العربي ودعمت الانقلاب على الربيع العربي.. ومع ذلك، ورغم كل هذا التآمر لا يزال العرب، أو بعضهم، يرون أن أمريكا تملك 99% من أوراق اللعبة، وأن مصير سوريا يبحث في واشنطن وموسكو وباريس ولندن، وأن مصير العراق معلق بطهران، عاصمة الحليف الجديد للقوى الاستعمارية.