15 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "شوف العصفورة" تعبير مصري دارج، يعني أن أشغلك بـ"وهم" بينما أخدعك، وهو أسلوب يمثل أحد "ثوابت" الطغاة، الذين يعمدون إلى قمع العقول بالخداع والتغييب، أكثر مما يقمعون الأجساد بالحبس والتعذيب. قد تكون "العصفورة" أزمة في مباراة مهمة لكرة القدم، أو فضيحة تطال بعض المشاهير، على أن تتناسب تفاصيلها مع هوية أبطالها، فهي "أخلاقية" للفنانين، و"مالية" لكبار المسؤولين، و"استخباراتية" للسياسيين، وفي كل الأحوال فإن دورها أن تكون "مثيرة" بما يكفي لينشغل الناس بـ"وهمها" عن "واقع" أزماتهم، ليغرق المعدم في الحديث عن بذخ "الليالي الحمراء" والقعيد في رسم أفضل الطرق للفوز بالبطولات الرياضية، والأمي في تفاصيل القوانين والدساتير والعلاقات الدولية.وأسوأ ما يقع لمجتمعات "شوف العصفورة" هو أن تدمن الخداع وتستمتع باجتراره، لدرجة أن يصبح خداعا ذاتيا، يمارسه الأفراد ضد أنفسهم، ويعجزون عن التفرقة بين ما هو "وهم" وما هو "واقع".ومما تحفظه كتب التاريخ من فصول هذا العجز، أن قائدا تركيا رفع تقريرا إلى السلطان يسرد 9 أسباب للهزيمة التي تعرض لها جيشه، ومنها حرارة الجو وألوان الملابس إلى غير ذلك من أوهام فرغ منها جميعا، ثم ختم تقريره بالسبب التاسع، في سطر واحد ومن دون شرح قائلا "ذخيرة يوك" أي "لم يكن هناك سلاح"! ولو لم يكن هذا القائد غارقا في الوهم وفي خداع النفس على طريقة "شوف العصفورة" لاقتصر تقريره على سبب واحد، هو السبب التاسع طبعا "ذخيرة يوك".ويبدو أننا الآن نرى "الحالة الفردية" للقائد التركي، وقد أصبحت "وهما جماعيا" يغرق فيه الفلاحون في مصر، وهم ينفقون الكثير من الجهد في "مناشدة" المسؤولين لتوفير مياه الري لحقولهم التي أحرقها الجفاف، مع أنهم يعلمون على اليقين، أو يمكنهم أن يعلموا علم اليقين، ألا فائدة من المناشدة، فالنيل يجف، ورصيد بحيرة ناصر لا يكفى حتى لإدارة مولدات كهرباء السد العالي، والسبب هو "سد النهضة" الذي وقع "عبد الفتاح السيسي" بالموافقة على إنشائه في إثيوبيا، ليحرم "هبة النيل" من شريان حياتها، ويفرض على مصر كارثة هي واقع لا يمكن تغييره إلا بواقع مضاد، وليس بأوهام "مناشدة المسؤولين" الذين لا يملكون ماء يمنحونه أو يمنعونه.ومن تمام الخداع أن السلطة تلوم الفلاحين لأنهم يستهلكون الكثير من الماء في ري محصول الأرز (مع أنه لا يوجد أرز يروى بقليل من الماء). وخبراء السلطة يتحدثون عن الانقطاع الفجائي لهطول الأمطار فوق هضبة الحبشة. والحقيقة أن الأمطار، كالعادة، تهطل. والسلطة، كالعادة، تكذب.