15 سبتمبر 2025
تسجيلدولة قطر أحب من أحب وكره من كره أصبحت تشكل ظاهرة لا سياسية فقط بل حضارية في محيطها الإقليمي وفي العالم. والسبب الحقيقي هو أن قيادتها الرشيدة منذ تحمّل صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة أمانة الحكم ورسالة التغيير وواجب النهضة الشاملة ومن بعده صاحب السمو الشيخ تميم الذي واصل وتابع واستمر بهذه القيادة صنعت التميز بفضل سن دبلوماسية المبادئ أي المصالح البعيدة لا دبلوماسية المصالح السريعة والزائلة، فقطر كما يقول قادتها هي وطن المظلوم وملجأ المضطهد وبفضل قناة الجزيرة تعرفت جماهير العرب على وجوه المعارضين السلميين وسمعت أصوات من لا صوت لهم من رواد الفكر الديمقراطي في العالم العربي وبدأ التغيير في أنظمة الرجل الواحد التي كرست الاستبداد ونشرت الفساد ثم إن أنبل المواقف التي سيذكرها التاريخ للشيخ حمد هي تلك التي كان رائدا فيها حين ناصر قضية فلسطين بأول زيارة لرئيس دولة قام بها لغزة الشهيدة فشد أزرها ومول إعمارها ووقف بجرأة متحديا الاحتلال كما فعل قبل ذلك مع جنوب لبنان بعد العدوان وكما فعل مع أهل السودان وفي كل ملف حق ضد الباطل تجدون دولة قطر إلى جانب الحق وضد الطغاة. ولهذه الأسباب كلها نرى اليوم تكاتف قوى الشر إما مدفوعة الأجر من المتصهينين العرب وإما من المغرر بهم يكررون نفس التهم ضد قطر العز والخير لأنها الدولة العربية المسلمة التي صمدت في وجه العنجهية الإسرائيلية بحزم ويعلم الله ما لا تعلمون من سند دبلوماسي ولوجستي وإعلامي لحركات التغيير المباركة وهو مما يقض مضاجع أزلام القهر ويؤرق فلول الغدر فيطلقون ألسنة السوء المأجورة لكيل التهم وصناعة الفرية لكن ضمائر الأمة العربية والإسلامية تدرك بالفطرة السليمة من هو الصادق ومن هو المفتري ومن هو الأمين ومن هو الخائن.واليوم تنشر بعض الصحف الصفراء والمواقع المشبوهة فرية بروباغندا مفادها أن قطر تدعم الإرهاب وهذه الفرية أطلقتها لوبيات صهيونية منذ خمسة أعوام ثم التقطتها وروجتها أوساط عربية تتلاقى مصالحها مع مصالح الاحتلال الإسرائيلي والاستبداد العربي وهي فرية لأنها تسوق بمنهج البروباغندا والحرب النفسية أي أن مروجيها العرب لا يقدمون أي برهان أو دليل وإنما يكررون شعاراتها الكاذبة مرات عديدة حتى تصبح الفرية كأنها حقيقة وهؤلاء يعرفون أن الجماهير العربية تميل أكثر للتصديق لا للتحقيق. السبب الحقيقي وراء الهجوم الجائر على دولة قطر هو أن قطر بادرت إلى تقديم مساعدات مالية ودبلوماسية ضخمة لإعادة إعمار قطاع غزة وسعت إلى تقريب الشقة بين فتح وحماس بعد أن قامت قطر بتقديم العون العملاق من أجل إعادة إعمار جنوب لبنان وهو ما لا ينساه الإخوة اللبنانيون، كما قامت بمجهودات موفقة لحل المعضلة اللبنانية بانتخاب الرئيس سليمان وقامت منذ عشر سنوات بحل المشاكل السياسية والاقتصادية بإقليم دارفور وتجنيب السودان ويلات الحرب الأهلية، ومن جهة أخرى تحركت الجمعيات الخيرية لمساعدة المسلمين المضطهدين من غير العرب في كل القارات دون من ولا أذى، وأكبر الهجمات والتشكيكات جاءت من لوبيات متعاطفة مع الاحتلال الإسرائيلي مع الأسف وقد اندهشت لأن أحد أعضاء المجلس التشريعي التونسي استشهد ببيان وقعه 23 عضوا من الكونجرس ضد قطر وهو لوبي الأعضاء المناصرين لإسرائيل داخل الكونجرس منذ عقود. ثم لا ننسى أن قطر بفضل قناة الجزيرة منذ عشرين عاما هي الرائدة في التحول لا الإعلامي فقط ولكن الحضاري في العالم العربي حين فتحت شاشتها لوجوه المعارضات العربية التي كانت مقموعة فبدأ التغيير السياسي من هناك وأنا عشته كمعارض تونسي منفي من بين آلاف المنفيين العرب وحين بدأت الثورات كانت الجزيرة في المقدمة لفضح القمع وتعرية الاستبداد وهذا لن تغفره لوبيات الثورات المضادة. كما أن قطر أجارت المثقفين الملاحقين وآوتهم لأن نخبة قطر تؤمن بدبلوماسية المبادئ لا بدبلوماسية المصالح وما الذي كان يمنع قطر أن تنغلق على العالم بفضل ثرواتها كما فعلت سلطنة بروناي التي لا يسمع بها أحد ولا يشتمها أحد؟ عوض أن تتحمل مسؤولية حضارية في تغيير المنكر العربي وإغاثة المستضعفين؟ أما القائلون اليوم بأن قطر "ساهمت في تدمير ليبيا وسوريا "! فهم ينسون كيف كانت ليبيا في عهد القذافي حين قتل العقيد في يوم واحد 1200 مواطن ليبي في أحد المحتشدات وأن ليبيا لم تكن دولة بل ظاهرة فريدة من اللادولة وأن سوريا بدأت بمظاهرات سلمية مطالبة ببعض الحريات المشروعة لكن قابلها نظام بشار بالطائرات والبراميل! هم طبعا لا ينسون بل يعرفون لكنهم يريدون أن يضلوا الرأي العام العربي بالفرية تلو الفرية حتى تستقر الفرية كأنها حقيقة. فالموقف القطري في ليبيا معروف منذ انطلاق ثورة شعبية ليبية ضد دكتاتور حكم على مدى 43 سنة وهو الوقوف إلى جانب إرادة الشعب الليبي ولكن نظام الفاتح (كما يسمى) عوض أن يستجيب للمطالب المشروعة وينحاز إلى نهج الحوار مع إشراك الشعب في التغيير اختار سبيل القمع والقصف وكانت المواقف في منظمة الأمم المتحدة والقوى العظمى والقوى الإقليمية تتجاوب مع طموحات الشعب الليبي في فرض الحصار الجوي منعا للقصف العشوائي ثم التدخل من قبل حلف الناتو للرد على القمع. وأنا لست قطريا ولم يفوضني أحد للدفاع عن الموقف القطري ولكني كأكاديمي مهتم بالشأن السياسي والعلاقات الدولية أدرك أن الموقف القطري استجاب لواقع مواقف أغلب الجماهير العربية ورغبتها العارمة في تغيير منكر الطغيان وقد تم ذلك في ليبيا ومصر وتونس واليمن ولا يختلف الوضع السوري عن الوضع الليبي ولكنه رغم طول المأساة سينتهي إلى نفس النهاية بعد أن تنجلي الفوضى وتستقر الشعوب وسيدرك الغافلون من بني العرب كم كان لقيادة دولة قطر من الريادة في تحرير العقل العربي من عقاله. أما في تونس فقد كنت في سنة 2010 أمثل بلادي سفيرا وعرفت عن كثب مدى احتضان الإخوة القطريين لمطالب التغيير الديمقراطي والرغبة في إعانتنا على إنجاز المشاريع الكبرى ولا تزال العلاقات بين الدولتين وثيقة وصادقة وواعدة رغم تلك الأصوات الناشزة المكررة للفريات والأوهام.