13 سبتمبر 2025
تسجيلجعل الله الظُّلم من أقبح المعاصي وأشدِّها عقوبةً لأن الظلم غالبًا تكون عواقبُه وخيمةً على الجميع؛ لذا حرَّم الله جلَّ وعلا الظُّلم في كتابه الكريم في مواطن كثيرة فذمَّ الله الظلم بكل أنواعه وتوعَّد الظالمين بالعذاب الشديد. وكذلك حذَّرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من خطورة الظلم، وأمرنا برَدِّ المظالم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَمَالِهِ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حِينَ لَا يَكُونُ دِينَارٌ، وَلَا دِرْهَمٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ)) [رواه البخاري]. وفي هذه الأيام المباركة التي نعيشها الآن في شهر شعبان يتسارع الجميع لإنهاء أشغاله وترتيب أموره قبل بداية رمضان، ولا شك أن لكل فرد منا استعدادات خاصة لاستقبال شهر رمضان... ولكنْ أيُّ الاستعداد أولى بالأهمية من غيره؟ لا شك أن الاستعداد بتطهير النفس والتحلل من مظالم الخلق هو أهم وأفضل استعدادٍ يستعدُّ به المسلم لاستقبال شهر رمضان المبارك. فالمسلم الفَطِن العاقل هو مَن يسارع بطلب العفو والمغفرة ممَّن ظلمهم، قبل هذا الشهر الكريم استعدادًا منه للطاعات والعبادات، فلا بد أن يتحلل من حقوق العباد ويردَّ المظالم إلى أصحابها. ومن الأمور المؤسفة التي نراها في هذا الزمان أن بعض المسلمين اليوم لا ينتبه لأخطائه في حق الآخرين، ولا يحاسب نفسه على ما اقترفه لسانُه من الإثم والسوء؛ فالبعض يغتاب إخوانه ويقع في أعراضهم. والبعض يُشهِّر بهم بدون وازعٍ من دينٍ أو ضمير. والبعض يترقَّب زلَّات أخيه فيصطاد في الماء العَكِر ليضرَّ بأخيه المسلم. والبعض يَحِيك ويُضمِر السوء لإخوانه من أجل مصالح شخصية. والبعض يمشي بين إخوانه بالنميمة. فانتبه أخي المسلم، كلُّ هذه مظالم عليك لا بد من استحلال أصحابها قبل فوات الأوان كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار. فليُبادِر مَن كان عليه مظلمة لأخيه أو شخص قريبٍ منه أن يتحلَّله ويطلب منه المسامحة والعفو، فاليوم يمكنه الوصول إليه بكلِّ سهولة، ولا يكلِّفه الأمر عَنتًا ولا مشقَّة، فقط قليل من التَّنازل عن الكبرياء والعظمة، وقليل من التواضع والرحمة، والمستفيد الحقيقيُّ هو الظَّالم نفسُه، فكل مَن يخاف على أجر عمله ويحرص على نوال القبول من ربه فيتخلص من حقوق الناس ويردُّ مظالمهم. وكذلك يُقبِل على الله بنفسٍ طاهرةٍ من حقوق العباد لا تُقيِّدها المظالم في طريقها إلى الشعور بروحانيات موسم الطاعات في شهر رمضان المبارك. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أخوفَ الناس من ربه وأخشاهم له عز وجل وأحرصهم على أن يَلقَى اللهَ عز وجل، وليس لأحدٍ عنده مظلمة له؛ ومن ثَم كان الإنصاف والقصاص من النفس من جميل الأخلاق التي تحلَّى بها صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أمر واضح وجلي في هذا الموقف الجميل؛ حيث رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الجليل سواد بن غزية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح (سهم) يُعدِّل به القومَ، فمرَّ بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو متقدِّم من الصف، فلمسه في بطنه بالقدح، وقال: ((استوِ يا سواد)) فقال: يا رسول الله! أوجعتَنِي، وقد بعثَكَ الله بالحق والعدل فأقدني أي (مَكِّنِّي من القصاص لنفسي)، فكشفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: ((استَقِدْ)) (أي: اقْتَصَّ)، قال: فاعتنقه سواد وانكبَّ عليه فقبَّل بطنه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما حملك على هذا يا سواد؟)) قال: يا رسول الله! حضر ما ترى (يقصد الجهاد) فأردتُ أن يكون آخرُ العهد بكَ أن يمسَّ جِلدي جِلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له: ((استوِ يا سواد))" [حسَّنه الألباني]. فلم يتردَّد النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء سواد رضي الله عنه حقَّه في القصاص حين طالب به، مع أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يكن يقصِد إيذاءه ولا إيجاعه، ليَضرب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا رائعًا لردِّ المظالم والقصاص من النفس. فلله دَرُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق يردُّ مظلمةً لصحابي من صحابته بكل رضًى وتواضع. فنصيحتي لكل مسلم قبلَ القدوم على هذا الشهر الكريم المبارك أن يتحلل من مظالم وحقوق عباد الله، تطهيرًا لنفسه وروحه قبل الدخول في سباق العبادات والأعمال الصالحة في شهر الطاعة والمغفرة. اللهم طهِّرنا وطهِّر قلوبنا، اللهم لا تجعلنا من الظالمين، ولا تجعل لمسلم مظلمةً عندنا أبدا ما أحيَيْتَنا يا رب العالمين. [email protected]