11 سبتمبر 2025

تسجيل

ماركيز.. أدَّب السياسة

27 أبريل 2014

ما من شك أن الثقافة هي المادة الحية التي تمدّ الأشياء بالبقاء والتطور والتنمية، وهي الحصيلة الأخيرة للتحركات الداخلية غير المنظورة لمجمل التيارات والأفكار التي تعيش في الضمير الساكن للمجتمعات البشرية ولا أقصد بالساكن غير المتحرك وإنما الداخلي الذي يُنضج معطياته على نار هادئة بحيث تتأتى الثقافة من مجموعة الطبقات التراكمية التي حققها مجمل الفكر الجمعي للمجتمع أو لتلاقح المجتمعات عموماً وهو ما يُسمى بالحضارة. ثقافة الناس هي حضارتهم بشكل أو بآخر وهي المنتوج الأسمى الذي يبقى في غربال الزمن، لذلك يبقى الكبار هم ذهب الغربال حتى لو واراهم الثرى. لم تكن المتعة عنده في النشر وإنما كانت ببساطة في الكتابة.. جابرييل جارسيا ماركيز الذي يرى أن الإنسانية كالجيوش في المعركة، تقدمها مرتبط بسرعة أبطأ أفرادها.. لم يأت امتيازه الأدبي بسرعة الإنتاج، فقد احتاج إلى خمس سنوات ليجد من ينشر روايته الأولى.. لم يكن روائياً فقط بل صحفياً وناشراً وناشطاً سياسياً من كولومبيا.. قضى معظم حياته في المكسيك وأوروبا ويُعدّ من أشهر كتّاب الواقعية العجائبية. أما عمله «مائة عام من العزلة» فهو الأكثر تمثيلاً لهذا النوع الأدبي، ثمّ تأتي بقية أعماله التي لا تتسع هذه المقالة الموجزة للتفصيل فيها.. جميعها مشرعةً على نافذة كبرى مطلّة على ثنائية الحياة من حب وحرب.. لشارعين متوازيين على مدّ النظر لا يُحكِم سوى كاتب استثنائي أن يجعلهما يلتقيان ويفترقان أنّى يشاء، عبر بلاغة في رحلة الأفكار المتقاربة والمتفاوتة والمتباعدة مستوفياً لشروط صياغتها ومحطات انتقالاتها وخاضعاً لعمق تجذرها مؤرخاً السياسة بالأدب. من أجمل وأشهر مقولاته: «أحبك لا لذاتك بل لما أنا عليه عندما أكون بقربك».