17 سبتمبر 2025
تسجيلالصبر والصوم صفتان لمعنى واحد تقريبًا، فكلاهما يتضمَّن معنى الحبس والمنع، فهما متشابهان إلى حد كبير. فالصوم: حبسُ النفس عن الطعام والشراب والشهوات. والصبر - كما عرفه ابن القَيِّم: «حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش». إذًا فكل صائم يحتاج إلى الصبر لا محالة ليستطيع مواصلة الصيام وتحصيل أجره كاملًا بإذن الله تعالى. فالصائم الذي يترك طعامه وشرابه وشهوته، يشعر بألم الجوع والعطش في نهار رمضان ويجاهد نفسه المتعلِّقة بالشهوات والملذات من المباحات، والذي يساعده على ذلك كله هو الصبر. لذلك يُطلَق على رمضان شهر الصبر؛ لأنه يربي أنفسنا على الصبر، وهو من أهم الصفات التي يجب على الإنسان التحلي بها لأنه زاد المؤمن في الحياة، يهوِّن عليه مصائبها ويعينه على صعابها. وجاء في الحديث الشريف أن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - قال: «الصوم نصف الصبر» (أخرجه الترمذي). لذا، أنصح نفسي وإياكم بالتحلي بالصبر في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، بل وأسأل الله أن يرزقك الصبر على ما لا تطيق.. تخيل لو ضاقت نفسك لكل أمر وقلَّ صبرك على الصعوبات، ستجد نفسك طيلة الوقت يتملَّكك الغضب والحزن والملل ويتعكر مزاجك وتُنزع السكينة واللذة من حياتك. فاصبر أثناء صومك على مشقة عملك واحتسب خدمتك لوطنك وإخوانك، واصبر على إدارة شؤون بيتك، واصبر على إزعاج الأبناء وتساؤلاتهم وغير ذلك من الروتين اليومي لكل إنسان في رمضان وغيره، واعلم أن كل ذلك له أجر عظيم؛ فعلى قدر المشقة تكون المثوبة. واعلم أن الصبر عطاء جزيل من الخالق سبحانه لصفوة عباده الذين يستحقون تلك المنزلة العالية من الله.. قال تعالى: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ» (النحل: 127). وقال: «وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (الشورى: 43). وقال النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاء أعظم ولا أوسع من الصبر» (متفق عليه). وجاءت مقولات السلف الصالح في مدح الصبر كثيرة؛ فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصبر»، وقال: «أفضل عيش أدركناه بالصبر». وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: «الصبر مطيَّة لا تكبو». قال تعالى في ثواب الصبر: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر: 10). فالصبر كما يعينك على تحمُّل مشقات الصيام يعينك أيضًا على ضبط لسانك عن الوقوع فيما حرم الله من الغيبة والنميمة والسب والشتم والاستهزاء بالآخرين، ويعينك كذلك على تحمُّل الأذى من الآخرين أثناء الصيام، فإذا آذاك أحد بكلمة أو موقف أو تصرف تصبَّرْ عليه ولا تقابل الإساءة بالإساءة، بل ترد بقولك: «إني صائم». والصبر يجعلك هادئ النفس منضبط الأعصاب، لا تثور لأسباب تافهة وبسيطة. فالخلاصة أن الصبر يعلِّمك الانضباط السلوكي والثبات الانفعالي في الصوم وخارجه، وهذا من واقع حياتنا اليوميَّة التي نحياها، ولقد عالجنا كثيرًا من مشكلاتنا ومشكلات الآخرين بالصبر.