15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب.. تعليمية أيضا

27 مارس 2022

غادر أكثر من 2.5 مليون أوكراني بلادهم في الأسبوعين اللذين تليا الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير. معظمهم، ما يقرب من 1.5 مليون، عبروا إلى بولندا، التي لها حدود مشتركة بطول 330 ميلًا مع أوكرانيا وهي عضو في الاتحاد الأوروبي. من بين الأشخاص الفارين من الحرب مجموعة كبيرة من الطلاب من الأوكرانيين ومن جنسيات مختلفة من الدول غير الأوروبية. اشتعلت الحرب عليهم وهم غير مستعدين على الإطلاق. وتزاحم الاعلام بالقصص المنوعة من أرض الواقع هناك. ما يعنينا هنا اليوم الضرر التعليمي فتوقيت اندلاع هذه الحرب جاء أثناء العام الدراسي للتعليم العام والجامعي. هذا الأمر يترتب عليه عواقب كثيرة علمية واجتماعية ونفسية. ومن المجالات التي يصعب ترميمها بعد أي كوارث أو حروب هو الانضباط في عملية التعليم والتعلم. وعليه فإن المعنيين بتلك الأحداث عليهم أن يضعوا الملف التعليمي ضمن الأولويات على طاولتهم. لا يختلف اثنان أن أي تأخير في مدخلات التعليم مهما كانت أسبابه يترتب عليه فاقد ضخم لا يتناسب مع ذلك التأخير كما ونوعا وزمنا. هل تذكر عندما كنت طالبا على مقاعد الدراسة ؟ هل تذكر عندما تغيبت عن المدرسة لمدة أسبوع واحد لسبب ما ؟ كيف كان شعورك عند العودة والانتظام في فصلك ؟ ألم تشعر بالضياع العلمي وكأن جميع من في المدرسة سبقوك لسنوات؟ هذا الشعور طبيعي لأن المعلومات التي لم تتلقاها تراكمت بعدها معلومات جديدة خلقت لديك فجوة. وكذلك الأمر بالنسبة للانقطاع الدراسي القسري بل ويزداد عليه. لقد غيرت الحرب في أوكرانيا بشكل جذري الحياة في البلدان المجاورة أيضًا؛ فبولندا المجاورة – على سبيل المثال - تحولت ملاعبها وساحاتها الرياضية إلى ملاجىء وسيتمكن الطلاب الأوكرانيون من مواصلة تعليمهم في المدارس والجامعات البولندية. وبدأ توظيف المعلمين الأكاديميين الأوكرانيين في الجامعات البولندية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للأشخاص الذين لديهم معرفة كافية باللغة البولندية العمل كمعلمين لدعم الطلاب الذين لا يتحدثون البولندية. وإذا علمنا أن هناك حوالي 600000 طفل أوكراني في سن المدرسة، يمكن تصور حجم المشكلة التي تواجه بولندا التي فتحت فصولا خاصة لتوفير التعليم لهؤلاء الأطفال الذين فروا من أوكرانيا. ومثلها كذلك، منذ سنوات عانى الأطفال السوريون الفارون من حرب بلادهم من الفقد التعليمي مما استدعى اللجان الشعبية سواء الخليجية أو العربية الإسلامية الى إطلاق حملات واسعة الانتشار من أجل تقديم تعليم مواز غير رسمي في الملاجئ التركية والأوربية. وأنشأت العديد من تلك الجهات مدارس مهنية مستقلة في تركيا ليلتحق بها الطلاب المقبلون على العمل من هؤلاء المهجرين. كما تقدم هذه المبرات الخيرية منح الدراسات العليا أيضا في محاولة لدعم الطلاب الذين فقدوا فرصهم التعليمية في بلدهم الأصلي. ومع توقف الدراسة الرسمية في دولة الكويت أثناء الغزو العراقي اصطفت جموع المعلمين والمعلمات الكويتيين في سابقة مميزة بأن فتحت البيوت سراديبها (مرآبها) ليكون مدرسة موازية في كل فريج يتم تعليم الطلاب كل حسب مرحلته الدراسية وحسب توافر المعلمين في تلك المنطقة. كما هبت دول الخليج لاحتضان الفارين من الكويت وفتحت لهم جامعاتها ومدارسها لأن التعليم هو أولوية في القانون التأسيسي لمجلس التعاون الخليجي. تحكي لي خالتي التي كانت تدرس في جامعة الكويت عام 1990 واضطرت ان تغادرها إلى دولة قطر، فالتحقت بالجامعة في بداية الفصل الجديد من دون أن تفقد أي فترة تعليمية. ولم تواجه وزارة التربية والتعليم القطرية أبدًا في تلك الفترة مثل هذا التحدي الكبير ولم يكن التعاون بين أعضاء هيئة التدريس العام أو الجامعي من جهة والطلاب من جهة أخرى بهذه الروعة أبدًا. نعم فالتعليم أولوية. في عام 1999 عملت فترة من الزمن متعاونا مع الاونروا - وهي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وعرفت حينها أن السياسة والاقتصاد والاجتماع كلهم في كفة والتعليم في الكفة الأخرى الأثقل. نعم، فلا يمكن أن تكون الحرب أو الاحتلال أو الغزو وسيلة لتدمير العقول، بل يظل التعليم واجبا إنسانيا. فكم من نبتة زهر (النوير) شقت جلمود الصحراء القاسي. آخر المطاف: البلد الذي تدمره الحرب سيحتاج إلى العديد من المهنيين لقيادة إعادة إعماره. وسيكون المحور الفاصل هم المثقفون والمتعلمون وأصحاب الخبرة الذين لم يخنعوا لتلك الرياح الآتية نحو نافذة التعليم بقصد إغلاقها. همسة: حاول دائما أن تبني سعادتك عن كل ما يؤذي الآخرين. دمتم بود [email protected]