16 سبتمبر 2025
تسجيلفي عشق الديار والأوطان تتجلى صور شعرية تفيض بالحب والوفاء وتنبض بالشوق والحنين، فالبحر بموجه الصاخب ورماله الذهبية ونوارسه المحلقة فوق زرقته اللامتناهية، وطيور القطا المتهادية على ضفاف الجداول، وعذوق النخيل التي تواجه الريح البوارح والصحراء وهي تتوسل للمزن أن تجود عليها بماء السماء، كلها صور لديار عشقها المرء وتغزل بها شعراً ونثراً لتنطق هذه الصور بكلمات نابضة، فما أشبه نخلة عبدالرحمن الداخل الأندلسية اليتيمة التي أثارت حنينه وشوقه لدياره التي تركها خلفه، بنفسه وقد فارق الأهل والديار ليناجيها بقولهتبدَّت لنا وَسْطَ الرّصافةِ نخلةٌ تناءتْ بأرضِ الغَرب عن بلدِ النخْلِفقلت: شبيهي في التغرّبِ والنّوَى وطولِ اكتئابي عن بنيَّ وعن أهلِيْنشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ فمثلكِ في الإقصاء والمُنتأَى مِثليْسقتكِ غواديْ المُزْنِ في المنتأى الّذي يسحُّ ويَستمرِيْ السِّماكَينِ بالوَبْلِبينما يطلق أبوفراس الحمداني قصيدته الخالدة بعشق الديار والوطنبلاديْ وإنْ جارَتْ عليَّ عزيزةٌ وأهلِي وإنْ ضنُّوا عليَّ كِرامُو يشتكي لأمه في منبج من الغربة ووحشة الأسر والشوق للديار والأهل وهو قابع في محبس الروم لا يجد وسيلة للعودة إلى وطنهمصابي جليل والعزاء جميلُ وظني بأنّ الله سوف يديلُجراح وأسر واشتياقٌ وغربةٌ أهمّكَ؟ أنّـي بعدها لحمولُوهذا أبو تمام يعلنها للعالم أن لا منزل كأرض الوطن الذي يبقى الإنسان ما حيا يحن إليه ويتغنى بهكمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلفهُ الفتَى وحنينهُ أبداً لأوّل مَنزلِوقد تذكر أحد الشعراء الأعراب بلاده فسالت دموعه شوقاً إليهاذكرتُ بلاديْ فاستهلَّتْ مَدَامِعي بشوقي إلى عَهْدِ الصِّبا المتقادِمِحَنَنْتُ إلى أرضٍ بها اخضرّ شارِبي وقُطِّع عني قَبل عقدِ التّمائمِويتذكر ابن الرومي مدينته وينشدها قائلاً:بلدٌ صحِبْتُ به الشبيبة والصِّبا ولَبِسْتُ ثوبَ العيشِ وهْوَ جديدُفإذا تمثَّلَ في الضميرِ رَأيتُهُ وعلَيهِ أغصانُ الشَّبابِ تميدوقد طلب الشاعر مرار بن هباش الطائي من صحبه قبل وفاته أن يحملوه إلى وطنه ويدفنوه في أرض طفولته وصباه وأنشد قائلاً:سقى الله أطلالاً بأخيلةِ الحِمَى و إنْ كنَّ قد أبدَيْنَ للناسِ ما بِيَامنازلُ لوْ مرّتْ بهنَّ جِنازتي لقال صدايَ: حامليَّ انْزِلا بِيَاوحتى الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما أزف موعد مغادرته لمكة ألقى نظرة حزينة بأعين دامعة على موطن طفولته وصباه، وقال: والله لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك أبدا.وكذلك الصحابة (رضي الله عنهم) بعدما هاجروا إلى المدينة ظلوا يتذكرون مكة وجبالهَا، وكان بلالٌ بن رباح (رضي الله عنه) عندما يشتد به الحنين إلى مكة ينشد قائلاً:ألا ليتَ شِعْري هل أبيتنّ ليلةً بوادٍ وحَوْلي إذْخرٌ وجَليلُوهل أَرِدَنْ يوماً مِياه مَجنّةٍ وهل يبدوَن ليْ شَامَةٌ وطَفِيلُ