12 سبتمبر 2025
تسجيلمن المعروف أن الحقيقة هي أول ضحايا المعارك، وهذا قول تقليدي متداول بين الأمم، لكن الأدهى أن الحقيقة ليست الضحية الوحيدة للمعركة بل العقل والمنطق أيضا، وهذا ينطبق على كل المعارك بلا استثناء، فكل شيء يضيع في الضجيج والتجييش ويصبح الشعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".أسوق هذه المقدمة بين يدي المعركة التي أعلنتها دول الخليج باستثناء عمان ضد الحوثيين في اليمن، والتي بدأت بسلسلة من الغارات الجوية على عدد من المقرات والمعسكرات التي يستخدمها الحوثيون في اليمن.لا شك أن الحوثيين قد انتشوا مما لديهم من فائض قوة مكنهم من السيطرة على معظم اليمن، وبسط هيمنتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي، ووصولهم إلى حاضرة الجنوب عدن، مما يعني عمليا إخضاع اليمن كله لسلطانهم، فهم القوة العسكرية الوحيدة على الساحة، ولا يوجد أي قوة أخرى يعتد بها يمكنها مواجهتهم أو الوقوف بوجههم، خاصة مع تحالف قطاع واسع من الجيش اليمني الخاضع لسلطة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح إلى جانبهم.ولكن بعيدا عن ضجيج معركة "عاصفة الحزم"، وهو الاسم الذي أطلق على العملية العسكرية الخليجية ضد الحوثيين، فإن الغارات الجوية مهما كانت قوية لا تستطيع أن تحسم المعركة على الأرض، وربما كان أحدث دليل على القصف المتواصل الذي تعرض له تنظيم الدولة الإسلامية في "عين العرب كوباني" ولمدة تزيد عن شهر ونصف، أحال المدينة إلى تراب وركام وأنقاض، ولم يتغير وجه المعركة إلا بعد أن دخل المقاتلون الأكراد في قلبها على الأرض، ولم يكن ذلك ممكنا إلا بعد أن مسحت المدينة عمليا عن الخارطة. وهناك أمثلة أخرى من الغارات الجوية الأمريكية في العراق وأفغانستان، بل والغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في عدوانها الأخير.يخطئ من يظن أن الحوثيين لن يقاتلوا دفاعا عن مشروعهم، فهي الفرصة التاريخية السانحة لهم، ويخطئ من يعتقد أن الحرب في اليمن ستكون نزهة، فقد كلفت الحرب في اليمن مصر في عهد جمال عبد الناصر أكثر من 70 ألف قتيل، لم يسمع عنهم أحد ولم يسجل التاريخ أسماءهم. والتاريخ يقول لنا إن أي حرب في اليمن صعبة ومكلفة جدا بشريا وماديا، وبالتالي فإن تحقيق أهداف الحرب بوسائل أخرى هو الأفضل.ما هي أهداف "عاصفة الحزم"؟ إذا كان الهدف القضاء على الحوثيين، فهذا مستحيل، وإذا كان الهدف دفعهم إلى المفاوضات لتقاسم السلطة، وهذا ما أعتقده فإن أفضل من يستطيع أن يقوم بدور الوساطة حاليا هي سلطنة عمان التي رفضت المشاركة في الحرب.اختصار الوقت أفضل، لأن دخول الحرب في مربعات أخرى يعني إمكانية انتقال النار إلى مناطق، وبدل خوض حرب لن يتنصر فيها أحد، ثم الجلوس إلى طاولة المفاوضات فإن الوساطة العمانية ربما تكون قادرة على وقف هذه الحرب، والأفضل الاستفادة من التجربة الأمريكية في أفغانستان، فقد قبلت التفاوض مع طالبان بعد 14 عاما من الحرب التي عجزت أمريكا عن الانتصار فيها، واليمن ومعه الجزيرة العربية لا تملك رفاهية 14 عاما من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات لحل المسألة اليمنية، أما إذا استمرت الحرب فإنها قد تدفع المنطقة كلها في نفق لا قرار له.