17 سبتمبر 2025

تسجيل

العقاد بين الطفولة والكهولة

27 مارس 2014

رحل عباس محمود العقاد عن عالمنا يوم 12 مارس سنة 1964، وهكذا مرت خمسون سنة على رحيل هذا العملاق العصامي الذي علم نفسه بنفسه، وعلى الرغم من انقضاء نصف قرن بالتمام والكمال فإني ما زلت أتذكر وجوه أساتذتي الجامعيين، وبالتحديد سهير القلماوي وعبد العزيز الأهواني ويوسف خليف، وقد اكتست ملامحهم بحزن عميق، وهم يحدثوننا – نحن طلاب قسم اللغة العربية بآداب القاهرة وقتها – عما قدمه العقاد، وما أثرى به الساحة الثقافية والفكرية العربية من مؤلفات ودراسات عميقة في مجالات متنوعة ومتعددة.لكن السؤال الذي يلح على ذهني الآن هو: هل تتغير نظرة الإنسان إلى الحياة وفقا لمراحل عمره من الطفولة إلى الكهولة والشيخوخة؟.. لا أريد أن أجيب على هذا السؤال إجابة مباشرة، لكني سأعود إلى العقاد، الذي عايشته خلال الستينيات من القرن العشرين الغارب، أثناء المعركة العنيفة حول الشعر الحر، الذي كان يسخر منه ويسميه الشعر السايب، ولهذا لابد أن أقفز الآن عائدا إلى زمان لم أعشه بالطبع، والزمان هو سنة 1921حين أصدر العقاد بالاشتراك مع صديقه الكبير إبراهيم عبد القادر المازني الجزء الأول من كتاب الديوان في الأدب والنقد.كتب النقاد ومؤرخو الأدب كثيرا عن كتاب الديوان وقالوا إن العقاد قد رفع معولا ضخما وحادا لكي يهدم عرش أحمد شوقي، وعلى الرغم من هذا المعول الضخم والحاد، فإن شوقي بويع أميرا للشعراء سنة 1927 أي بعد صدور الديوان بست سنوات، ولكن ينبغي أن نتذكر أن ما كتبه العقاد – برغم حدته وقسوته – كان يمثل مفهوما جديدا في النظرة إلى الشعر العربي، وها هو العقاد يقول موجها كلامه لشوقي: أعلم أيها الشاعر العظيم أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به. وليس هم الناس من القصيد أن يتسابقوا في أشواط البصر والسمع، وإنما همهم أن يتعاطفوا ويودع أحسهم وأطبعهم في نفس إخوانه زبدة ما رآه وخلاصة ما استطابه أو كرهه.أعتقد أني قد أجبت على السؤال الذي طرحته بشأن تغير نظرة الإنسان إلى الحياة وفقا لمراحل عمره، فالعقاد الشاب الذي كان مجددا وثائرا على القديم سنة 1921، هو العقاد الكهل الذي أصبح متشبثا بالقديم ومهاجما للجديد سنة 1961.شهدت «أسوان» سنة 1889 ميلاد عباس محمود العقاد الذي تعلم في أحد كتاتيبها ولم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، لكن جهده الفردي في التحصيل والمتابعة تكفل بأن يعرف ويستوعب ما لا يستطيع أن يعرفه أو يستوعبه مئات الحاصلين على درجة الدكتوراه في مختلف فروع المعرفة، وكان الزعيم الوفدي سعد باشا زغلول يحب أن يلقب العقاد بـ كاتب الشرق الجبار، وقد رحل العقاد عن خمس وسبعين سنة، وكان طيلة رحلته مع الكلمة، مثالا ساطعا لاعتداد الكاتب بالكلمة وثقته بنفسه وهو يواجه الحياة بخيرها وشرها، ويبقى أن نتحسر الآن، ونحن نرى الكلمة وقد تحولت إلى بوق أو جعل منها قائلوها أداة للنفاق من أجل الارتزاق.المتمسكون بشرف الكلمة الآن أصبحوا بالفعل نادرين، بعد أن تجاهل كثيرون أن التفكير فريضة إسلامية- عنوان أحد كتب العقاد، وأصبحنا في عصر ، يتداخل خلاله سوء التدبير مع تخدير الجماهير.متى نصحو مما يخدرنا؟.. الجواب عليه الآن عسير.. تحية لروحك أيها العملاق العصامي.. عباس محمود العقاد.