15 سبتمبر 2025
تسجيليغادرنا هذه الأيام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن بن حمد العطية، وذلك بعد تسعة أعوام قضاها في هذا المنصب الرفيع بذل خلالها جهودا كبيرة ومخلصة تتوجب من قبلنا نحن أبناء دول المجلس تقديم الشكر والامتنان ومن قبل حكومات الدول الأعضاء التقدير والذي تم التعبير عنه من خلال منحه الاوسمة التي يستحقها. لقد أتاحت لنا الظروف المساهمة في أعمال المجلس منذ انطلاقتها في الثمانينيات من خلال تمثيل دولة الإمارات ضمن وفد الدولة في اللجان الفنية الخاصة بالتعرفة الجمركية الموحدة والتعاون الصناعي وفي السنوات الأخيرة من خلال الدعوات السنوية التي وجهها الأمين العام لتقييم مسيرة عمل المجلس بعد انتهاء القمم السنوية، مما أتاح إمكانية ملاحظة التقدم الكبير الذي أحدثه الأمين العام في آلية عمل المجلس ومتابعة تنفيذ قرارات قادة دول المجلس واللجان الوزارية. ومن بين أمور أخرى كثيرة، يمكن القول إن العقد الأخير من عمر المجلس تميز بتحقيق إنجازات مهمة تفوق بكثير تلك التي تحققت في العقديين الأوليين، فإذا كانت الفترة من 1981 -2001 قد شهدت أساسا الاتفاق على إقامة منطقة للتجارة الحرة في عام 1983 والتي كان لها دور فعال في زيادة تجارة السلع الوطنية وانتقالها دون عوائق بين دول المجلس وكذلك إقرار الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وإستراتيجية التنمية الصناعية، فإن الفترة ما بين عامي 2001 – 2001 شهدت تحولات جذرية نقلت التعاون الاقتصادي الخليجي إلى مراحل متطورة. وفي مقدمة تلك الإنجازات يأتي الاتفاق على العمل بالاتحاد الجمركي الخليجي اعتبارا من بداية شهر يناير 2003 وإقرار اتفاقية السوق الخليجية المشتركة في بداية عام 2008 والانتهاء تقريبا في العام الماضي من الربط الكهربائي بين دول المجلس والاتفاق على إقامة شبكة للسكك الحديدية والسماح للمواطنين الخليجيين بالاستثمار العقاري والتداول في أسواق الأسهم والمحلية ومعاملتهم معاملة المواطنين والانتهاء من وضع القواعد النهائية لإشراك المواطنين العاملين في غير بلدانهم في نظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية. وتوجت هذه الإنجازات بإصدار الاتفاقية والنظام الأساس الخاص بالعملة الخليجية الموحدة في العام الماضي، وذلك إلى جانب تقريب السياسات الاقتصادية بين دول المجلس. بالتأكيد، لقد كانت هناك تحضيرات كثيرة سبقت إقرار هذه الاتفاقيات في العقد الأخير من عمر المجلس، إلا أن إضافة عبدالرحمن العطية المهمة والتي أدت إلى سرعة إقرار هذه الاتفاقيات تكمن في اهتمامه الكبير بضرورة إيجاد آلية لتنفيذ هذه الاتفاقيات والقرارات، وهذا جانب مهم كان يربك عمل المجلس ويساهم في تأخير عملية التنفيذ. وفي هذا الصدد قام عبدالرحمن العطية في بداية استلام مهامه، كأمين عام بجرد الاتفاقيات والقررارات المعلقة ليجدها كثيرة، كما قام بترتيب البلدان وفق التزامها بهذه القرارات والمتابعة مع الدول الأعضاء للنظر في الأسباب التي أدت إلى تأخير أو تباطأ عملية التنفيذ وإزالة العقبات التي تحول دون ذلك. ويشير ذلك بوضوح إلى أن معظم العراقيل في تنفيذ قرارات دول المجلس تكمن في العقبات الإدارية وعدم المتابعة من قبل الأجهزة التنفيذية في الدول الأعضاء، وهذه عقبة استطاع عبدالرحمن العطية من التعامل معها بنجاح، مما دفع باتجاه الإسراع في تنفيذ الاتفاقيات المبرمة ونقل التعاون الاقتصادي الخليجي لآفاق جديدة. وبالإضافة إلى ذلك أولى الأمين العام أهمية كبيرة لتنمية الموارد البشرية الخليجية في الأمانة العامة والمؤسسات التابعة لها ورفع مستوياتهم المهنية وعامل الجميع بروح المساواة وقدر الكفاءات المؤهلة والجادة من أبناء دول المجلس ومنحهم فرص النجاح والترقي. ربما تكون الأمانة العامة قد خسرت الجهود المباشرة للأمين العام، إلا أن دولة قطر قد ربحت شخصية قيادية من الطراز الأول، حيث تعتبر تجربة عبدالرحمن العطية في الأمانة العامة تجربة رائدة استطاع الأمين العام من خلالها رسم خارطة طريق ستؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد تكتل اقتصادي خليجي قوي ويستند على مجموعة من الاتفاقيات التي ستؤدي بدورها إلى المزيد من الاندماج الاقتصادي والمواطنة الخليجية، بحيث أصبح من المهم الاهتمام بهذه التجربة وتطويرها والبناء عليها من قبل الأمانة العامة الجديدة لاستكمال البناء الخليجي والذي أصبح يشكل أهمية بالغة لكافة دول المجلس، كما تشير إلى ذلك الأحداث الأخيرة في المنطقة.