17 سبتمبر 2025

تسجيل

ثقافة القمع

27 فبراير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إلى حد ما، كانت مفاجأة لي أن أسمع قساً مصرياً يؤكد أن المسيحية تحرم الخمر. قلت له: لكن المجتمعات المسيحية القديمة والمعاصرة تبيح صنعها وبيعها وشربها. فقال: هذا انحراف ليس إلا، انحراف يشبه الموجود الآن في مصر، حيث تعصر الخمر وتباع وتشرب، مع أن الدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية ـ التي تحرم الخمر ـ هي المصدر الرئيسى للتشريع. وقال: الخمر آفة اجتماعية ليس إلا، تنتشر جراء عوامل بيئية واجتماعية، وليست أمرا دينيا، بدليل أنها تنتشر بين المسيحيين الذين يعيشون في المناطق الباردة أكثر من المسيحيين الذين يعيشون في المناطق الدافئة، فهي آفة ترتبط بظروف المجتمع.يقول القس: أما الخمر التي ذكرها الإنجيل كمعجزة للمسيح ـ عليه السلام ـ صنعها أمام حوارييه في «قانا»، حين قام بتحويل الماء في الجرار إلى نبيذ، فلم تكن إلا «عصير عنب» لم يتخمر ولم يفسد.وفيما كان القس يحدثني عن التباسات الفهم الناتجه عن تعدد دلالات اللفظ الواحد، قلت له: في العربية يمكن الخلط بين الخمر والعصير عبر لفظ «نبيذ»، الذي يدل ـ في الأصل ـ على العصير، الذي يُنبذ ـ أى يُخرج ويعصر ـ من الثمار، وكل ما نُبذ فهو نبيذ، ثم أطلق اسم «النبيذ» اصطلاحا على نوع من الخمر، التي تصنع من العصير عموماً، ولما كان «العنب» هو أكثر ما يستخدم في صنع الخمر، اختص الاسم بالخمر المصنوعة من عصيره. وهكذا فقد تطور استخدام لفظ «النبيذ» من المعنى البريء (العصير) إلى المعنى المنحرف (الخمر)، وعلى العكس، فإن لفظ «القهوة» كان يطلق قديماً على الخمر وحدها، فلما اكتشف الإنسان شجرة البن وعرف كيف يحول ثمارها إلى المشروب المعروف، أطلق عليه اسم «القهوة» واختص به، ولم يعد يطلق على «الخمر».المسيحية إذن كالإسلام تحرم الخمر، وهكذا تسقط في مصر حجة الذين استخدموا شماعة «مراعاة الأقباط» لعرقلة صدور قانون ضد الخمر، وقد نبهني كلام القس بقوة إلى حقيقة أن الديكتاتورية هي المحرك الأساسى للفتنة الطائفية، والفتن المجتمعية عموماً. ولهذا تتصاعد وتيرة الفتن مع إحكام القبضة الديكتاتورية للسلطة.في مصر يهم السلطة أن يزداد الحاجز بين المسلمين والأقباط، حتى يمكنها ـ باستمرار ـ أن تفرض انحرافاتها على المسلمين والأقباط معاً، يهمها تعميق الفجوة بين المسلمين والمسيحيين حتى ينشغلوا عن القهر والفساد بصراعات مفتعلة. ورحم الله الأستاذ الفاضل «موسى جندى» الذي كان صحفياً فى الأهرام ومناضلاً صادقاً ووطنياً بلا حدود، وطالما ردد أن السلطة فى مصر تضطهد المسلمين والأقباط جميعاً، فهم ـ معاً ـ يريدون الحرية والديمقراطية، يريدون أن يشعروا بالعزة فى بلدهم، يريدون عملاً وطعاماً لمائدتهم ومدرسة لأبنائهم ودواء لمرضاهم، والسلطة تحول بينهم وبين هذا كله. تصادر الحقوق وتنشر الخمر.