14 سبتمبر 2025
تسجيلقد يختلف المحلّلون في ماهية الأسباب والدوافع التي تسببت أو قد تتسبب في اندلاع ثورات الشعوب ضد حكوماتها في بلد دون آخر، ولكني أرى أن أي أزمة حقيقية تتفاقم لتصبح معاناة دائمة يعانيها الناس في بلد ما وتعجز الحكومة أو الحاكم أو البرلمان أو سوى ذلك من أشكال الحكم في حلّها فإن ذلك قد يقود إلى مظاهرات وثورات يصبح الحقّ والنصر فيها للطرف الآخر الذي ملأ الشوارع والميادين بينما يخفت صوت العقل والمنطق عند الحكومات والحكام ليبدأ صوت الرصاص والمدافع وبالأخص في عالمنا العربي المليء بالأزمات والمشكلات وأيضاً بالثورات المعلنة وغير "المعلنة" أو بمعنى آخر الدول التي سيؤول مصير أزماتها إلى الثورات إمّا عاجلاً أو آجلاً، لأنها أزماتها عبارة عن رماد يخفي كمية من الجمر لا يعلمها إلا الله تعالى ستظهر مع أول ريح خفيفة أو ربما مع أول نسمة هواء عليلة!اندلعت الثورات العالمية عموماً والعربية خصوصاً في الغالب لسببين رئيسيين أولهما حالة الفقر والجوع التي يعاني منها عموم الناس، والسبب الآخر هو المبادئ والقيم والحريّات والأفكار التي يعيش من أجلها الناس ويؤمنون بها ثمّ تأتي السلطات أو الحكّام ليفصلوا ما بين الناس ومبادئهم وقيمهم وحريتهم وأفكارهم ليفرضوا عليهم ما يرونه من أفكار تتعارض في الغالب مع ما يؤمن به الناس بل وتتعارض أحياناً مع العقل والمنطق والفطرة وسنن الكون، وفي عالمنا العربي والإسلامي عانت الشعوب ولاتزال من الجوع والفقر ومن الاستبداد الفكري والاعتقادي والأخلاقي الذي تريد أن تفرضه حكومات وأيديولوجيات غربية على حكّام - ضعفاء جبناء أمام أعدائهم وأشداء أقوياء على شعوبهم - يستمعون جيداً لأوامر أسيادهم وينفذونها بحذافيرها بكل قهر واستبداد واستعباد على مواطنيهم وشعوبهم.إن حالة الصراع الذي تمارسه الحكومات والحكّام في عالمنا العربي والإسلامي – وليست دول الخليج العربي باستثناء من تلك القاعدة – ضدّ شعوبها وبالأخص في قوتهم ولقمة عيشهم وفي دينهم وعقائدهم وأخلاقهم لايزال يتكرّس يوماً بعد آخر في عالمنا العربي والإسلامي، فبعد أن أوشكت بعض الشعوب تتخلّص من حكّامها الطغاة المجرمين في مصر وتونس وليبيا واليمن إذا بأنصارهم من الحكّام الطغاة في دول أخرى يساندونهم بالدعم السياسي والاقتصادي لتتأخر نهضة تلك الدول ويستمتع أولئك الحكّام بمزيد من الوقت على عروشهم في حين يستمتعون بتعذيب الشعوب في داخل وخارج أوطانهم، بل ويقدّمون الدعم أكثر من ذي قبل لمن يقوم بتجويع شعبه أكثر ولمن يقوم بمناهضة ومقاومة تطبيق شرع الله وحكمه في بلاد المسلمين!.ولعلّ هذه الحالة من الظلم الذي يمارس على الشعوب في ممارستها لدينها وعباداتها وحصولها على لقمة عيشها قد جعل البعض يصفها بالجاهلية الجديدة التي تفوق أهل الكفر والشرك في أغلب الأحيان في عدائهم للمسلمين وتعذيبهم لهم كما كان يفعل مشركو قريش مع أوائل المسلمين في رمضاء مكّة، بل إنّ الأمر تطور أكثر ليشمل مجازر جماعية واعتقالات عشوائية وشتّى أنواع التعذيب والإهانة والاستفزاز وإخضاع الناس لأصنام جديدة في كل مجالات الحياة!.ينبغي أن يعلم الطغاة – وهم يعرفون أنفسهم جيّداً – بأن مضايقة الناس في عبادتهم وأرزاقهم ستجلب لهم اللعنات تلو اللعنات وأن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن الدعوات المظلومة في طريقها للإجابة صاعدة إلى السماء فحينئذ لن تنفعهم أمريكا ولا إسرائيل ولا روسيا ولا الصين ولا الثمانية العظمى ولا الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة ولا الناس أجمعين! حين ينتقم الله العزيز الجبّار المتكبّر من أولئك الجبابرة المتكبرون المتعجرفون المتعالون فيزول حكمهم ويتزعزع سلطانهم ويُذلّهم الله ويعذّبهم في الدنيا والآخرة ليكونوا عظة وعبرة كما كان فرعون من قبلهم مثالاً يضرب إلى يوم القيامة.نعم إنها صيحة تحذير ورسالة نذير للظلمة والطغاة من الحكّام العرب والمسلمين بأنهم لن يصمدوا أمام ثورات الشعوب القادمة لامحالة إن لم يستجيبوا لمطالبها ويدعوها تمارس عبادتها دون استفزاز أو إهانة وأن يخلو ما بينها وبين حرّيتها التي كفلها الإسلام لها، وأن يعطوها نصيبها من الحقوق والثروات وأن ينصفوها من كل ظالم وأن يعدلوا بينهم بالحق والمساواة.ولست هنا محرّضاً لاندلاع الثورات أو داعياً لإشعال المظاهرات ولكنني أذكّر وأحلّل وأرصد ما جرى ويجري من صراعات وأزمات وبدايات ونهايات.. وعلى العاقل أن يفهم كيف كانت بداية الظالمين وكيف آلت نهايتهم، وعلى الحاكم أن يختار نهايته وأن يكتب قصّته بنفسه، إما إلى النفي والإبعاد كما حدث مع زين العابدين بن علي أو السجن والمحاسبة كما حدث مع حسني مبارك وإما مع العزل والطرد كما حدث مع علي عبدالله صالح وإما مع القتل والإذلال كما حدث مع القذافي وإما مع نهاية مأساوية جديدة قريبة لبشار الأسد ونوري المالكي وعبدالفتاح السيسي وأعوانهم وأنصارهم ومؤيديهم إن شاء الله.