12 سبتمبر 2025
تسجيلأصبح الشيخ الترابي آخر مغنم ثمين يحصل عليه الفريق البشير في سعيه المتصل للحصول على حلفاء يتغطى بهم عند الشدائد حين بدل الشيخ الترابي موقفه الذي ظل مداوما عليه بقوة منذ عام المفاصلة (1999) وربما أغناه ذلك عن ملاحقته للمهدي لكي يتقوى به. الشيخ الترابي أظهر حماسا كبيرا لدعوة الفريق البشير لفتح صفحة جديدة بصورة أدهشت الجميع. حماس الشيخ وصل لدرجة تحذّر حلفاؤه في تجمع المعارضة المسمى قوى الإجماع الوطني من مغبة الإطاحة بنظام الرئيس البشير بالقوة. بل ونصح حزب الشيخ الترابي الحكومة بحسم الحركات المعارضة حاملة السلاح في الميادين الحربية طالما رفضت الاستجابة لدعوات السلام. لا يحسبن أحد أن الشيخ قد نسى أن هذه المعارضة المراد حسمها في الميادين الحربية هي حتى هذه اللحظة حليفة الشيخ وحزبه. إذن ماذا حدث بين عشية وضحاها؟ يجب أن يتذكر الجميع أن الشيخ الترابي صعب عليه أن ينسى غدر تلاميذه به في عام المفاصلة الذين لم يكتفوا فقط بإزاحته من كرسي القيادة، بل تمادوا في نكران جميله عليهم، فادخلوه السجن. الشيخ لم يستطع أن يبلع تلك الإهانة، أو يعفو عنها. فهو ليس نبيا معصوما من الغل والغضب. ولا يظنن أحد أن الشيخ بدل مواقفه فقط لأن النظام لمّح له بإشارات التصالح فهرول نحوه بغير روية ودراسة وتخطيط. لقد كان الشيخ منتظرا اللحظة المناسبة التي يصطاد فيها (حواره) الآبق. ولقد مكنه البشير، الموصوف من قبل عارفيه "بالمكر والدهاء" مكنه من هذه الفرصة لكي يصطاد عصفورين بحجر واحد: يبعد الحوار غير المأمون الطوية نهائيا. ويتصالح مع شيخه القديم، فيأمن بوائقه مؤقتا. أقول مؤقتا. لأنه ما من أحد يستطيع أن يضمن أين يمسي مكر الشيخ وأين يصبح. فالرجل الذي كان الخصم الأشد لنظام الفريق البشير، ويرفض مجرد الحوار معه في أي شكل وتحت أي مسمى. بل يرفض الاستماع إلى مناشدات النظام له لكي يثوب إلى كلمة سواء من أجل طي صفحة التنازع، جدع كل ذلك خلفه في اللحظة الحاسمة وصوب حجرا من سجيل منضود هشم به صنما كان يحسب نفسه صنما كبيرا. لقد تناغم الغريمان أخيرا. وعلى الجميع أن يتحسسوا مواقع رؤوسهم. آخر الأنباء تحدثت عن طرد سبعين ضابطا من جهاز الأمن السوداني كانوا محسوبين على حوار الشيخ القديم الذي أبق وخرج على شيخه في غمضة عين وانتباهتها. ثم تحدثت أنباء عن إلحاق عدد ستمائة من ضباط الجيش السوداني بجهاز الأمن والاستخبارات في انقلاب جديد يحقق عسكرة كاملة الدسم للإنقاذ في نسختها الجديدة على أمل الحصول لها على عمر جديد دون أن تعزف موسيقى المارشات العسكرية التي ألف السودانيون سماعها من كثرة الانقلابات العسكرية التي عايشوها. أحد المشفقين علق على هذه الأنباء بغير قليل من الخوف والانزعاج، قال: واضح أن الغريمين قد تصالحا على حساب الإسلاميين. ومن يمنعهما من التمدد فينا ربع قرن من زمن جديد. صرخ فيه أحد جلسائه: "يا أخي تف دي من خشمك، وقل لا سمح الله"!.