11 سبتمبر 2025
تسجيل( ليس السامع كالمعاين) هكذا قالوا قديماً، فنحن لو سمعنا عن الجمال، ما صدّقنا لولا أن رأيناه، وكذلك الصدق والفرح والحزن، وجميع ما يدور في مدارات الحياة وأفلاك التعامل، تمامًا كما التفاني، فأنا لن أصدّق به، لولا أن رأيتُ برهان ربي. و مفردة التفاني إن جُردّت حيث فعلها، فإنها تكون (فنى)، و(تفانى) هو فعل خماسي لازم متعدٍ بحرف، يأتي بمعنى: أبدى فيهِ إخلاصاً وجدّاً بالغي المستوى، وضحى برغباته ومصالحه من أجله. إذن، لعلّي لا أُلام لو كنتُ أشك بوجود هذه الصفة، ففي خضم الحياة وهمها وضنكها، من ذا الذي يضحي بمصالحه ورغباته من أجل عمله..! ومن ذا الذي يعمل بابتسامة، وأعني بابتسامة هنا، هي الابتسامة الأبدية، التي يختبئ وراءها جهد الحياة، ولكن أبت إلا أن تظهر، تظهر بمعيّة الإخلاص في مجال ما يحدث. فقبل 26 سنة، حيث كنت طفلة في روضة الدانة الخاصة، حيث البراءة الغضة، والخيال الطفولي القديم، حينها أذكر (أبلة منال) تقف كجنديٍ غير مجهول البتة، أذكرها بحجابها الأبيض، وحبة خالٍ تتحدّر مبسمها، تُدخلنا حيث فصولنا، وتحمل من بكى من الأطفال لحظة وداع مؤقتة وادعوا فيها أمهاتهم، نلتف حولها وندخل الروضة، تمشي بنا، بابتسامة أقسم أنني لم أكن لأنساها مطلقاً. وتمر الأعوام، فتُخفي الأيام ملامح الخيال القديمة، إلا اليسير منها، نكبر وتكبر ذاكرتنا، فتشيب وتهرم، لتُنجب لنا الأيام ذاكرةً أخرى، فتشيب وتهرم، وهكذا دواليك، إلا أن تأتي ذكرى تستثير من خزانة الذاكرات ما كان قد مضى، فنتذكر، وغالباً ما نبكي. فبعد 26 سنة، تسوقني الأقدار حيث الطريق القديم، لأقف على شارع الروضة، فأجد خيالي الطفولي العتيق، واقف هاهنا، كشجرة النخيل الباسقة، لا تنحني للزمن وإن هرمت، هامة تقف لها الأيام والسنين تقديراً وإجلالاً، كأن ذات المنظر، يُعاد بعد 26 سنة، هي المرأة ذاتها، بالابتسامة ذاتها، بالتفاف الأطفال ذاته، كنتُ أنظر وأتساءل، كم جيلا التف عليكِ يا امرأة استحقت التبجيل..!؟ كم دمعة للأطفال كفكفتِ، كم ضلعٍ ضممت..! كم روعٍ هدّأت..!؟ ألم يعتريكِ ملل، ألم يُراودكِ كلل..! ألم تتكاسلي في صباحٍ باردٍ ففضلت النوم عن الأطفال..!؟ ألم يتقاعس إخلاصكِ في صباحٍ حارٍ فكان أن فضّلت البيت بتكييفه، عن إزعاج الروضة وصراخ أطفالها..!؟ بل أيُعقل أن يوجد أشخاصٍ بهكذا تفانٍ، ترحّب وهي تستقبل، تبتسم وهي تعمل، تضحك وهي تتلقى من الجمهور إهانات، فكيف لو كان الجمهور أطفالاً..!؟ وهل يُعقل، أنني أتعلم على ذات الشارع مرتين.! فمرة أتعلمها طفلة أتلقى أبجديات الحياة الأولى، والثانية وأنا شابة أتعلّم درساً في الإخلاص والتفاني والجدّ، بعد أن تمثّل لي الأنموذج لكل تلك الصفات...! ألي باستنساخكِ يا معلمتي القديرة، لأنصح بوجودكِ في كل زاوية من زوايا الحياة.! معلمتي، قالوا من علمني حرفاً صرتُ له عبداً، وأنا تعلّمت حروفاً فضلاً عن واحد، وصفاتٍ كثيرة وليست صفة يتيمة، فلكِ الحروف والكلمات وجميع أبجديات اللغة يقفون تقديراً واحتراماً ومحبةً لكِ، شكراً "أبلة منال". [email protected]