14 سبتمبر 2025
تسجيلتهدد العالم أزمة غذائية سيكون لها انعكاسات اجتماعية واقتصادية خطيرة على كافة البلدان، وذلك بشهادة العديد من المنظمات الدولية، بما فيها البنك الدولي الذي أشار في الأسبوع الماضي إلى أن الأزمة الغذائية تهدد الأمن العالمي. هناك أسباب عديدة لحدوث الأزمات الاقتصادية، إلا أن إحداها تكمن في الفرق الشاسع بين العرض والطلب على السلع والخدمات، إلا أن الأزمات الحالية، بما فيها أزمة الغذاء في عام 2008 والأزمة الحالية حدثت أساسا نتيجة لعوامل تتعلق بحركة رؤوس الأموال والمضاربات التي بدأت تكتسح المعاملات في التجارة الدولية. لقد أصبحت المضاربات هي التي تحدد أسعار الكثير من السلع الإستراتيجية في الأسواق، ليس عن طريق إزاحة القوانين الاقتصادية، وبالأخص قانون العرض والطلب، وإنما من خلال إيجاد مستويات وهمية من العروض والطلبات في الأسواق الفورية وبورصات السلع حول العالم. لنأخذ على سبيل المثال ارتفاع أسعار النفط في عام 2008 والتي بلغت رقما قياسيا وصل إلى 147 دولارا للبرميل، وكذلك الأسعار الحالية التي تجاوزت 120 دولارا للبرميل، إذ إن ذلك حدث في الحالتين ليس بسبب نقص الإمدادات أو ارتفاع الطلب، وإنما نتيجة لمضاربات تستفيد منها شركات النفط ورؤوس الأموال المضاربة والطفيلية التي أصبحت تتحكم في أسواق السلع بصورة لم يسبق لها مثيل. في السنوات العقد الماضي انصبت المضاربات على أسواق المال وقطاع العقارات، مما ضخم هذه القطاعات بصورة مصطنعة ونجم عنها أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة وانهيارات متتالية في البورصات العالمية، إلا إنه مع منتصف عام 2008 فقدت هذه المضاربات زخمها في الأسواق ووصلت إلى حد التشبع، مما تطلب نقل حمى المضاربات إلى تجارة السلع، أدى إلى تضاعف أسعار الذهب والنفط ومن ثم المواد الغذائية. في الوقت الذي حافظ الذهب على مكاسبه، فقد تدنت أسعار النفط والمواد الغذائية مع حلول عام 2009 وذلك بسبب الأزمة والتي أدت إلى فقدان مئات المليارات من أسواق المال العالمية، بما فيها جزء من أموال المضاربين أنفسهم. والحال، فإن العالم يقف الآن أمام موجة جديدة من المضاربات المحمومة، وبالأخص على أسعار المواد الغذائية والنفط، في الوقت الذي لا يعاني فيه أي من هذين القطاعين من نقص في الإمدادات، صحيح أن هناك أسبابا موضوعية أدت إلى تدني إنتاج المواد الغذائية، كالتقلبات المناخية والكوارث الطبيعية واستخدام المنتجات الزراعية لاستخلاص الوقود الحيوي، إلا أن هناك عوامل أخرى ساعدت على زيادة الإنتاج، مما أدى إلى عدم حدوث خلل كبير بين العرض والطلب يستدعي هذا الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية لولا أن قوة المضاربات استعادت قوة اندفاعها بعد الاستقرار النسبي لأسواق المال العالمية. يبدو أن المضاربين لا يدركون خطورة تلاعبهم بأسعار المواد الغذائية، إذ إن التلاعب بقوت الناس سوف يضرهم في نهاية المطاف، حيث تشير العديد من الدلائل إلى حدوث تطورات خطيرة، كالاحتجاجات الاجتماعية في العديد من بلدان العالم. وإذا كانت المضاربات في البورصات والمؤسسات المالية قد مست شريحة معينة من المجتمع، فإن خطورة المضاربات في المواد الغذائية والتي بلغت مستويات عالية جدا سوف تمس كافة أفراد المجتمع، وبالأخص الفئات الدنيا التي تعتمد على المواد الغذائية المدعمة، حيث تعجز العديد من الدول عن مجاراة نسب الغلاء المرتفعة بسبب عدم توفر الموارد المالية اللازمة في موازناتها الحكومي لزيادة الاعتمادات المخصصة لدعم أسعار المواد الغذائية الرئيسة، علما بأن هناك بلدانا أخرى لا تقدم مثل هذا الدعم، رغم تدني مستويات المعيشة، مما يعمق من حدة هذه الأزمة وانعكاساتها على الفئات الدنيا في المجتمع. لقد تحولت أسواق السلع في العالم، بما فيها السلع الغذائية إلى مرتع " لمافيات" المضاربين والذين لا توجد حدود لنهمهم الشديد للثروة الناجمة عن المضاربات وليس عن إنتاج حقيقي يساهم في زيادة معدلات النمو ويرفع من المستويات المعيشية لأفراد المجتمع. أما المسؤولية، فإنها تقع على عاتق البلدان المتطورة والتي تتبعها شركات المضاربة، كما أن الأسواق الفورية للتداول في مختلف أنواع السلع تتمركز في هذه البلدان والتي تقع عليها أيضاً مسؤولية انتشال العالم من أزمته الغذائية لاعتبارات إنسانية وأمنية واقتصادية يمكن أن تسيء إلى الاقتصاد العالمي من خلال أزمات ذات أبعاد خطيرة ومكلفة.