12 أكتوبر 2025
تسجيللقد مثلت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 انطلاقة جديدة وحركية للروح الوطنية المصرية، وأعادت إلى الأذهان ذكريات ثورة عام 1919 التي كانت باكورة انطلاقة الحركة الوطنية المصرية ووحدتها بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 والذي أنهى عصرا كاملا من الصراع والبناء الوطني ودشن واقعا مصريا وشعبيا جديدا تحالفت خلاله كل أطياف الشعب المختلفة وانصهرت في بوتقة الروح الوطنية المصرية الجامعة المانعة وأنتجت حالة من النهوض الوطني الشامل الذي رسم معالم الحياة السياسية والثقافية والفنية في مصر المحروسة. في 25 يناير 2011 انطلق المارد الشبابي المصري بقبضته العارية وبحنجرته الثورية وبإيمانه بالله ووطنه وشعبه ليكسر جدران الصمت، ويثور على الواقع المتجمد، ويسعى لتأسيس وتكوين حالة جديدة من البناء الوطني بعيدا عن رائحة العنف وثقافة الموت والتكسير وإلغاء الآخر لقد رددت ملايين الحناجر المصرية في ربيع مصر الخالد في ميدان التحرير نداء الوحدة الوطنية الخالد وشعار حرب أكتوبر العظيمة (بسم الله.. الله أكبر بسم الله)، وتوحد المصريون خلف هدفهم المركزي وهو إسقاط النظام القائم بهياكله القمعية وبسياساته المتخشبة ومراكزه الاستغلالية، وبناء عصر جديد من الحياة السياسية التي دمرها العسكر منذ انقلاب البكباشية واليوزباشية في 23 يوليو 1952 وما تلاه من تصفيات وجرائم وهزائم عسكرية مريعة وفشل في كل المجالات انعكس على الأوضاع المصرية العامة التي شهدت تراجعا في مختلف المجالات وانسداد الأفق أمام الشباب المصري الذي يعاني التهميش والظروف السيئة المعروفة للجميع، لقد حقق الشعب المصري ثورته وأنجز خياره الحاسم وقدم من التضحيات الشيء الكثير وكشأن جميع الثورات في العالم لابد أن تبرز تحديات الثورة المضادة لقواعد وأسس ورموز النظام القديم الذي يرفض التواري والخضوع لمنطق التطور وللإرادة الشعبية التي حققت هدفها المعلن والمطلوب عبر انتخاب رئيس من الشعب في انتخابات ديمقراطية نزيهة بعيدا عن قبضة العسكر ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث، ولكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر وتحرك العسكر من جديد لأن القرار الاستراتيجي للطغمة العسكرية كان ولا يزال وسيبقى عدم ترك السلطة وعدم تضييع المكاسب التاريخية والمصالح الكبرى للعسكر ولو تطلب الأمر سفك الدماء ومن دون سقف محدد!! وهو ما حصل للأسف في تحد فظ وشنيع للشرعية الدستورية وعبر عملية انقلاب عسكري بشع تمت بعد وابل من القصف الإعلامي لقوى التضليل، وحدث ما حدث في الثالث من يوليو 2013، وجرت مياه ودماء عديدة تحت كل الجسور وفرض العسكر منطقهم دون أن يتمكنوا من تطويع قوى الشعب أو الهيمنة على المسار الشعبي الرافض لكل انحراف عن الإرادة الشعبية، لقد زرع الانقلابيون الريح فكان لابد من أن يحصدوا العاصفة!، فاحتقار الشعب وإهانة الأحرار وسفك الدماء والعودة لسياسة عصر زوار الفجر والسجون الحربية ومعتقلات المخابرات هي الوصفة الوحيدة التي يتقنها الجنرالات الذين فشلوا في مجالات التخطيط العسكري وحماية ثغور مصر ولكنهم نجحوا بامتياز في قتل شبابها وإهانة حرائرها، وفرض الإرهاب الرسمي بأبشع صوره وأصنافه، والتنكر التام للإرادة الشعبية، بعد ثلاثة أعوام من انتصار الثورة ومن ثَمَّ انتكاستها تعيش مصر اليوم وضعا استثنائيا وصعبا في مرحلة حاسمة ودقيقة من مراحل التاريخ المصري المعاصر، فالانقلابيون في حيص بيص وحيرة وتخبط قاتلين، ومعاول التخريب في الشارع المصري قد بدأت بحفر الخنادق والاصطفافات، وتطرف الانقلابيين سيخلق بحكم طبائع الأمور تطرفا مضادا سيعاني من تبعاته الجميع، وسيعود بالضرر على مختلف فرقاء الصراع، وسيشوه الوجه المصري الجميل المسالم ببثور العنف والفوضى والإرهاب لابديل عن العودة للشرعية الدستورية وتفعيل الحوار البناء، وإعادة ترميم المواقف والاعتراف بالخطأ ونبذ حالة الفرقة والانقسام وبناء عقد سياسي توافقي جديد يجنب مصر ويلات (العرقنة) أو (الصوملة)! وبقية خيارات الرعب الأخرى، فمصر بلد السلام وشعلة الحرية في الشرق، وهي اليوم تنادي أبنائها لرص صفوفهم ونبذ خلافاتهم فالوطن المصري أكبر من كل خلاف... فهل ستنقشع الغمة عن شعب مصر؟ هذا ما نتأمله ونترجاه...