14 سبتمبر 2025
تسجيلنتيجة لارتفاع أسعار النفط وبقائها عند مستويات مرتفعة في السنوات الخمس الماضية، فقد تضاعف الإنفاق في الموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي، مما انعكس بصورة إيجابية كبيرة على الأوضاع الاقتصادية وعلى معدلات النمو في دول المجلس ودفع باتجاه سرعة التعافي من تداعيات الأزمة المالية العالمية. وبالإضافة إلى ذلك تراكمت لدى دول المجلس فوائض مالية كبيرة وصلت إلى أرقام قياسية لم تصلها من قبل، مما أدى إلى إحداث بعض التغيرات في هيكلية الإنفاق، سواء الجاري منه أو الاستثماري، حيث تفاوتت مسألة كيفية التعامل مع الفوائض المالية، إلا أن المحصلة العامة كانت إيجابية في كافة دول المجلس. وبحكم دول الرعاية الذي يميز دول المجلس، وهو نمط انفردت به هذه الدول من بين البلدان النفطية النامية الأخرى ووفر بيئة من الاستقرار والسلم الاجتماعي، فقد تضاعفت الأجور أو أنها ارتفعت بنسب كبيرة في السنوات القليلة الماضية بالنسبة للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وهو ما انعكس على مستويات المعيشة وزاد من جاذبية دول المجلس للمستثمرين واستقطابها للمهارات من مختلف بلدان العالم. وفي دولتي الإمارات وقطر واللتين شهدتا أعلى معدل في زيادات الأجور وتوفير مرافق الخدمات، بما فيها الإسكانية للمواطنين، فقد ترافق ذلك مع ارتفاع حاد في أصول الصناديق السيادية والتوسع في الاستثمارات الخارجية من خلال المشاركة والاستحواذ على مؤسسات إنتاجية وعقارية ومالية عريقة ومهمة. وفي المملكة العربية السعودية، فقد انصبت الجهود لحل بعض المسائل العالقة، وبالأخص إقامة المزيد من المشاريع وتوفير فرص العمل التي ازداد الطلب عليها في السنوات الماضية والإعلان عن تخصيص ما يقارب 500 مليار ريال للمساهمة في حل مشكلة الإسكان وتمويل مشاريع المواطنين، وهو ما سعت إليه أيضاً كل من مملكة البحرين وسلطنة عمان، وذلك رغم عدم تمتعهما بفوائض مالية كبيرة. أما في دولة الكويت، فقد وصل حجم فائض الميزانية إلى رقم قياسي بلغ 14 مليار دينار في موازنة 2011 – 2012 مما أدى إلى اتخاذ قرار بتوزيع المواد الغذائية الأساسية مجانا على المواطنين لمدة 14 شهرا، إلا أن هذا الفائض استغل أيضاً لدوافع انتخابية، حيث تبنى بعض أعضاء مجلس الأمة مسألة إلغاء فوائد القروض المصرفية على المواطنين والتي يبلغ حجمها 1.7 مليار دينار، وهو مبلغ كبير ويمكن أن يستغل في إقامة مشاريع تنموية وتوفير المزيد من فرص العمل. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن القروض المصرفية والفوائد المترتبة عليها مسألة تخص الأفراد والذين يحصلون على رواتب شهرية ولا علاقة للدولة بهذا الموضوع والذي يعبر عن علاقة المصارف التجارية بالمقترضين والذين يعتبرون مسؤولين عن تسديد قروضهم، خصوصا وأن معظمهم قادر على ذلك. وتبقى المسألة الأهم التي تمخضت عن الفوائض النفطية، أي تلك الخاصة باستثمارات الصناديق السيادية التي توجه إليها معظم هذه الفوائض، وبالأخص في ظل استمرار الضبابية حول أزمة منطقة اليورو والأوضاع المالية في الولايات المتحدة والتي يمكنها استيعاب النسبة الأكبر من الفوائض، إذ في الوقت الذي تقوم به دول المجلس بالتزاماتها تجاه إمدادات النفط للأسواق العالمية وزيادة مساهماتها في تدفقات الأموال إلى بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمنظمات العالمية، كصندوق النقد الدولي للمساعدة في التغلب على تداعيات الأزمة، فإن استخدام هذه الفوائض لزيادة الاستثمارات الداخلية وتنويع مصادر الدخل تشكل قضية أساسية للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما تسعى إليه معظم دول المجلس بفضل سياسة التوازن في استخدام فوائض النفط. ويبدو أن دول مجلس التعاون تراكمت لديها الخبرات اللازمة في العقود الثلاثة الماضية في كيفية التعامل مع التذبذبات في أسعار النفط العالمية، ففي منتصف الثمانينيات تمكنت من خلال سياسات التقشف تسيير أوضاعها الاقتصادية والمالية بسلاسة رغم الانخفاض الحاد في عائداتها النفطية في ذلك الوقت بسبب انخفاض سعر البرميل إلى 7 دولارات، كما أنها تبدي في الوقت الحاضر مرونة وتوازنا في التعامل مع الفوائض النقدية، وهو ما يشكل في الحالتين أهمية كبيرة لاستقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس.