22 سبتمبر 2025
تسجيلجاء اختيار الدكتور سعد الكتاتني لمنصب رئيس مجلس الشعب تعبيرا عن الإنجاز الأكبر الذي تحقق بفضل ثورة الخامس والعشرين من يناير، والمتمثل في وصول ممثلي الأغلبية إلى حكم البلاد، وذلك للمرة الأولى منذ نشأة الدولة المصرية الحديثة في عهد محمد علي باشا عام 1805. ذلك أنه منذ ذلك التاريخ كان الحكم من نصيب الأقلية أو سلطة الاحتلال الأجنبي، إذ إن الأغلبية لم تصل لحكم البلاد سوى بعد ثورة عام 1919 بشكل جزئي، حيث كان الاحتلال البريطاني للبلاد وقتها يسيطر على أدوات الحكم الحقيقية ويترك بعضها للملك الذي تقاسمه لفترات محدودة مع ممثلي الأغلبية الذين كان يقودهم حزب الوفد برئاسة سعد زغلول باشا. فقبل ثورة 1919 كان الحكم من نصيب أسرة محمد علي التي لم تسمح لممثلي الشعب بالمشاركة فيه، رغم محاولة إسماعيل باشا ادعاء ذلك من خلال إنشاء مجلس شورى النواب في عام 1866 الذي لم يكن له أية صلاحيات حقيقية سواء فيما يتعلق بوضع التشريعات أو مراقبة الحكومة. وحينما حاول المجلس الحصول على بعض هذه الصلاحيات في أواخر عهد إسماعيل وبداية عهد توفيق، تواطأ هذا الأخير مع قوات الاحتلال البريطانية عبر السماح لها بدخول البلاد من أجل القضاء على هذه الرغبة المبكرة في إمكانية أن يشارك ممثلو الأغلبية الشعبية في حكم البلاد. كان الهدف الأول لسلطات الاحتلال البريطانية هو وأد تلك الرغبة قبل أن تترسخ وتحول مصر ليس فقط إلى دولة متقدمة، ولكن أيضا إلى نموذج ناجح تحاكيها فيه باقي دول وإمارات المنطقة العربية، وهو ما كان يمثل تهديدا كبيرا لمصالح الإمبراطورية البريطانية. لذلك قام اللورد دفرين عام 1883 بوضع القانون الأساس لتنظيم الشؤون الداخلية لمصر، والذي نص على إقامة مجلسين استشاريين ليس لهما صفة التشريع، هما مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية. كان رأي مجلس شورى القوانين استشارياً، وكان يتكون معظمه من كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين تلاقت مصالحهم مع مصالح سلطة الاحتلال البريطانية والتي كانت تكافئهم بالقيام بمشروعات زراعية باستمرار. واستمر هذا الوضع حتى قيام ثورة 1919 التي استطاعت للمرة الأولى أن تسمح بشكل جزئي بمشاركة الأغلبية في الحكم. لكن هذا أيضا لم يستمر طويلا إذ سرعان ما انقلب الملك وسلطة الاحتلال على هذه الإرادة الشعبية، وكانوا يضغطون دائما باتجاه تزوير انتخابات البرلمان ووصول حكومات غير معبرة عن إرادة الأغلبية. وبعد انقلاب عام 1952 تم القضاء على هذه المكتسبات الجزئية لإرادة الأغلبية الشعبية من خلال فرض نظام حكم ديكتاتوري يقوم على حكم الفرد بجانب بعض المؤسسات الصورية مثل مؤسسة الحزب الواحد ومؤسسة البرلمان التي كان أعضاؤها يختارون من قبل الحاكم حتى لو جاء الأمر في صورة انتخابات يتم تزويرها. واستمر هذا الوضع طوال فترات حكم الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك التي تغول فيها النظام الحاكم على إرادة المواطنين بشكل لم يسبق له مثيل حتى تحول إلى العدو الأول للشعب. وهو ما أدى إلى اندلاع ثورة يناير التي حررت إرادة الأغلبية الشعبية من أسر النظام الديكتاتوري الذي أوجده انقلاب 1952 كما سمحت للمرة الأولى بالتعبير بشكل كامل عن هذه الإرادة في انتخابات حرة نزيهة كان من نتيجتها مجلس الشعب الذي رأينا الجلسة الأولى لانعقاده يوم 23 يناير، والذي سيقوم بوضع أسس النظام السياسي الجديد للبلاد بما يتفق مع رغبة هذه الأغلبية، التي ستختار أيضا الرئيس القادم للبلاد الذي سيكون للمرة الأولى معبرا عنها وحاكما باسمها. ربما من هنا يمكن أن نفهم أسباب الهجوم الكبير الذي تمارسه بعض القوى السياسية والاجتماعية المصرية التي تعبر عن الأقلية التي كانت تحكم طوال العهود الماضية بمساندة من القوى الخارجية التي كانت تجد في حكم الأقلية مكسبا كبيرا لها لأنها تساعدها على حماية مصالحها بأقل الأثمان الممكنة. لكن من المؤكد أن هذا الهجوم لن يؤتي ثماره رغم المساندة الكبيرة من قبل القوى الخارجية، لأن إرادة الأغلبية هذه المرة أقوى من كل محاولات الأقلية ومن يقف إلى جوارهم لاستعادة حكم ليس من حقهم.