16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ضلالة الصداقة الدوليةطبيعة الضعيف هي أنه يبحث دائماً عن أحلاف يستقوي بها ويأمن على نفسه العدوان والنوائب، والذي يميز ضعيف الظرف عن ضعيف النفس هو أن الأول يرى ضعفه على أنه حال فرضته ظروف تاريخية وهو يعمل على تخطيها، وفي تلك الأثناء يتخذ أحلافاً تمنع عنه وتسنده في فترة الضعف مقابل مصالح معينة، إذ يستبعد أن تقوم أحلاف بين الدول دون أن تكون المصلحة متبادلة. هذا يختلف عن ضعيف النفس الذي يرى ضعفه أصلاً فرضته قسمة قدرية لأقدار الأمم، وهو في حال بحث مستمر عن المانع والمجير ويعمل على استدامة كل حلف قدر المستطاع حتى إذا انقضى حلفه مع زيد لأي سبب لجأ إلى عبيد وهكذا ينصب جهده على إيجاد المجيرين بدلاً من أن ينصب على الاستغناء عن الإجارة. فضعيف الظرف كالذي أصابته جرثومة فمرض وضعف جسمه وذهب يتقوى عليها بالدواء حتى ارتفعت مناعته وتغلب على الجرثومة وتعافى. بينما ضعيف النفس هو كالمريض بسبب ضعف خلقي لا علاج له سوى المسكنات أو المقويات – كالسكري مثلاً – فهو لا يأمل في التعافي التام وإنما يقبل درجة من العافية ينالها بدواء مستمر لا يتوقف.لا شك أن الدول لن تكون كلها في سباق نحو المركز الأول، فهذا سيجعل العالم مضطرباً جداً وهو غير ممكن في حق كثير من الدول بشكلها القطري الحالي إلا أن تدخل في حروب توسعية وهو ما لم يعد مقبولاً الآن. السباق نحو القمة أصبح هاجس دول قليلة جداً كأمريكا والصين وروسيا، ولكن الكثير من الدول ارتضت أن تكون جزءًا من حلف قوي كأوروبا، حيث ترتبط الدول الأوروبية مع بعضها بشبكة من المصالح والثقافة والتاريخ والجغرافيا تجعل من كل دولة في هذا التحالف – رغم التفاوت – عنصراً أساسياً في استقراره.هذا لا يشبه إطلاقا حالة الولاء التي نراها عند الدول الضعيفة تجاه الدول القوية، حيث نرتمي في أحضان الصين حين نعجز عن إرضاء أمريكا. ولكن ما هي طبيعة العلاقة بيننا وبين الصين حقيقة؟ الصين كانت لوقت مضى – قبل الانفصال – تستورد 8% من نفطها من السودان، ولكن هل هذا يمكن اعتباره تحالفاً يشبه الحالة الأوروبية مثلاً؟ لم يصدق هذا إلا السذج وهم عندنا كثر، ما إن انفصل الجنوب حتى أدارت الصين لنا ظهرها، وحتى قبل الانفصال حين استنجد بها الساسة في معاركهم مع مجلس الأمن خذلتهم إلا قليلاً. وليس العجب من قلة تعاطف الصينيين، وإنما العجب من استنكار الساسة عندنا لهذا الصد، والسؤال هو ما الذي يدفع الصين لنصرة السودان أصلاً؟ قد تكون للصين مواقف في السياسة الخارجية تخالف تلك الأمريكية وهي تفعل ذلك بناء على مصالحها الذاتية دون نظر إلى كون دولة في إفريقيا ربما تطالها بعض الفائدة من ذلك. أما كون السودان يبقى في فلك هذه الدولة ينتظر تلك السانحة الفلكية التي تتعامد فيها مصلحته مع مصلحة الصين أو غيرها فهو العجز بعينه.المقصود هو أن النهضة لا يمكن أن تقوم على العلاقات الاتكالية، حيث يسعى بلد متخلف لأن يكون في معية بلد أو بلاد متقدمة فيكون مثلهم. ولن يرفع بلد ناهض آخر قاعدا ليصل إلى المراقي على أكتافه. ولا ينبغي لنا أن نتصور أن العلاقة بين ضعفاء الاتحاد الأوروبي وأقويائه – كالعلاقة بين ألمانيا واليونان مثلاً – تمكن مقارنتها بالعلاقة بين السودان والصين، فألمانيا تدفع من أموالها الشيء الكثير لإنقاذ اليونان من عثراتها الاقتصادية، لأن الاتحاد الأوروبي بوجود اليونان يصب في صميم مصلحة ألمانيا. وحتى يأتي الوقت الذي يمكننا فيه قول الشيء ذاته عن السودان والصين، ستبقى العلاقة في أساسها ضعيفة وستكون بذات الضعف مع أمريكا وروسيا وأوروبا ولذات الأسباب. وقد بلغ بنا الهوان أن تقلص طموحنا من نيل السند الأمريكي أو الصيني إلى السند العربي الذي يباهي هو ذاته بالحماية الأمريكية.هذه الأحوال لن تتبدل حتى نيأس من فكرة النهوض بالوكالة ونستيقن أن النهضة لن تقوم إلا على أكتافنا وحدنا، وهو حمل على ثقله، لابد أن يحمل.خلاصة القول في حقيقة ركائز النهضة هو أن كل محاولة لتخطي عنصر الإنسان في عملية النهضة لن تؤدي إليها. صحيح أن إصلاح الإنسان هو أقسى أنواع الإصلاح وأكثرها احتياجاً للصبر والزمن، ولكن الإنسان هو الشرط الضروري والكافي للنهضة، فلا غنى عنه ويمكن الاستغناء به للنهضة. لذلك فإن الانصراف عنه بحثاً عن طرق مختصرة نحو النهضة كالاعتماد على الثروة الطبيعية أو العلاقات الاتكالية أو حتى بعض الضلالات التي لم نفصل فيها كالإرث التاريخي وعقائد الخلاص، هذه الانصرافات هي فعل المنبت، تهلك الجهد ولا تصل إلى الغاية.