17 سبتمبر 2025

تسجيل

طرائف التراث العربي

26 ديسمبر 2014

لا يمكن للإنسان أن يحيا دون أن يضحك ويبتسم، فالضحك وسيلة التعبير عن البهجة والسرور، والطرائف والنوادر ملح الحياة وزينتها وكما وصفها القدماء (بها جلاء القلب وتسلية النفس )، وحس الفكاهة مهارة يختص به بعض الناس دون غيرهم وقد تبدو هذه المهارة في رواية واختراع النوادر أو اختلاق المواقف الكوميدية وتمثيلها أو تأليفها وتدوينها في كتب أدبية أو أعمال فنية.والتراث العربي حافل بالنوادر والطرائف وبالشخصيات الظريفة، ويعد الجاحظ الأديب الساخر ذا الروح المرحة والسخرية الذكية أشهر من وضع النوادر والطرائف وجمعها في كتابه النفيس (أخبار البخلاء)، حيث أبدع الجاحظ في وصف البخلاء وتصويرهم تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً، فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم وأطلعنا على أحاديثهم وحواراتهم، وحلل نفسياتهم وأحوالهم، ولكنه بالرغم من ذلك كله لا يكرهنا بهم لأنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا.ومن كتب التراث العربي التي غلبت عليها روح النكتة والظرافة أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي والذي تناول أخبار ومواقف الحمقى واستعرض في كتابه القيم أشعار وفصاحة وطبائع وصفات وأنواع الحمقى، كذلك يورد ابن الجوزي في كتابه الأمثال التي ضربت في الحمقى وبأسلوب فكاهي ظريف.كما روى الأصمعي الذي لقب براوية العرب وعده المؤرخون أحد أئمة الأدب واللغة والشعر في كتابيه (النوادر) و( نوادر الأعراب) طرائف وقصصا ذاع صيتها وانتشرت بين الناس.ومن أشهر الشعراء الذين قدموا صوراً كوميدية حية الشاعر العباسي ابن الرومي المعروف بسخريته وظرافته حتى في هجائه القاسي، حيث يصف الشخص الذي يهجوه بصورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك.وقد ابتدعت الكثير من الشعوب شخصيات كوميدية خيالية تتلاءم مع طبيعتها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية، تروى عنها قصصا مضحكة تتسم بالسذاجة أحياناً وأحياناً أخرى بالذكاء ورفاهة الحس، مثل شخصية جحا عند العرب، ونصر الدين خوجة، في تركيا وملا نصر الدين في إيران وكردستان، وشخصية آرتين في أرمينيا وغابروفو ذي اللسان السليط في بلغاريا، وآرو اليوغسلافي المغفل.وجحا العربي شخصية خيالية بطلها رجل فقير كان يعيش بطريقة مختلفة عن الآخرين ويتصرف بذكاء كوميدى ساخر، وقد انتشرت قصصه ومواقفه المضحكة وتداولها الناس على مر العصور حتى عصرنا هذا، حيث ماتزال شخصية جحا ترمز للظرافة وخفة الظل.كما اشتهرت شخصيات أخرى بظرفها ونوادرها مثل شخصية أشعب وهو رجل حقيقي عاش في المدينة المنورة اشتهر بجشعه وطمعه وحبه للأكل وكانت له طرائف كثيرة ما زالت تروى في القصص الشعبية، واعطت نوادر أشعب صورة صادقة عن الأوضاع السياسية والحياة الاجتماعية في زمنه.النوادر والطرائف والكوميديا بأنواعها حاجة ملحة تزداد كلما تعقدت الظروف وتعددت الخطوب، وما أحوجنا اليها في زمننا هذا لتبدد ضيق النفوس وتزيل هموم القلوب، وكما يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه ): (أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح )، وكما قال القاضي عياض: (التحدث بمُلَح الأخبار، وطُرف الحكايات تسلية للنفس، وجلاء للقلب ).