18 سبتمبر 2025
تسجيليعتقد كثيرون أن السبب الأساسي لنجاح الموجة الأولى لثورة يناير في 2011 هي اتحاد القوى الأساسية التي كانت تعارض نظام مبارك حتى سقوط رأس النظام في 11 فبراير من نفس العام. كما يعتقدون أن اختلاف هذه القوى بعد ذلك على الطريق الذي يجب أن تسلكه الثورة هو الذي أدى إلى نجاح الثورة المضادة في استرداد السلطة مرة أخرى بعودة الجيش إلى الحكم بعد انقلاب 30 يونيو. ربما يكون هذا الاعتقاد صحيح في الجزء الأول منه الخاص بإسقاط رأس النظام، لكن الصحيح أيضا أن محاولة فرض الرأي من جانب التيار العلماني رغم عدم تمتعه بشعبية تماثل أو حتى تقارب شعبية التيار الإسلامي، هي التي أدت إلى ظهور هذه الخلافات وتصاعدها بعد ذلك. فقد حاول التيار العلماني أن يفرض خارطة طريق بعد 11 فبراير تؤدي إلى عدم نجاح التيار الإسلامي في السيطرة على السلطة، من خلال السعي لبناء مؤسسات بالتوافق وليس بالقيم الديمقراطية التي تقوم على الانتخاب. وحينما رفض الإسلاميون ذلك، سعي التيار العلماني بكل الوسائل لإجهاض التجربة، من خلال التحالف مع فلول النظام وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، حيث كانت جبهة الإنقاذ، التي تضم كافة القوى العلمانية هي الوجه المدني للانقلاب العسكري الذي تم على الرئيس المنتخب والدستور المستفتى عليه. وبعد الانقلاب سعت هذه القوى بالتحالف مع المؤسسة العسكرية للقضاء على التيار الإسلامي وإخراجه من ساحة العمل السياسي تماما. لكن مع صمود معارضي الانقلاب وتصاعد المواجهة بين الطرفين بدأت المؤسسة العسكرية في توجيه ضرباتها لبعض هذه القوى العلمانية التي حاولت أن يكون لها هامش من حرية الحركة، تظهر من خلاله وكأنها ليست مرتبطة تماما بالانقلاب، حتى إذا ما عادت الشرعية مرة أخرى يكون لها موطأ قدم. وكان من أبرز من تعرضوا لضربات العسكر، بعض رموز حركة 6 إبريل مثل أحمد ماهر ومحمد عادل، إضافة إلى بعض النشطاء السياسيين أمثال أحمد دومة، حيث تم الحكم عليهم بثلاث سنوات سجن. وقد رأى البعض ضرورة استغلال هذه الحادثة للتأكيد على ضرورة توحيد الصف الثوري مرة أخرى بين قوى التيار الإسلامي وبعض قوى التيار العلماني. لكن يتناسى هؤلاء عدة أمور: أولا: أن هذه الرموز رغم ما يحدث لهم على أيدي العسكر ما زالوا مصرين على خطأهم معتبرين أن ما حدث في 30 يونيو ثورة شعبية وليست انقلابا عسكريا. ثانيا: إذا كان لهؤلاء دور في ثورة يناير، فقد قضوا عليه بمشاركتهم في 30 يونيو، ولذا لا يحق لأحد أن يظل معتبرا إياهم شركاء الثورة. ثالثا: أن الكارثة الكبرى التي حلت بثورة يناير كانت بسبب فيروس ما يسمى بالتوافق وهو مفهوم يتعارض تماما مع قيم الديمقراطية التي تقول أن هناك أغلبية تحكم وأقلية تعارض. رابعا: هم لا يريدون ذلك التوافق أو تلك المشاركة.. هم يريدون الاستحواذ، ولذلك حينما تعلو الأصوات المنادية بالمصالحة تراهم يسارعون بوضع شروطهم لهذه المصالحة. خامسا: لا يمكن نسيان مشاركتهم في قتل معارضي الانقلاب في مذابح رابعة العدوية والنهضة وغيرها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وإذا أرادت بعض هذه القوى أن تعود للصف الثوري فهناك شروط يجب أن توفيها، أهمها: أولا: أن تعترف بالأخطاء التي ارتكبتها منذ نجاح الموجة الأولى لثورة يناير، حينما أرادت أن تنحي مبادئ الديمقراطية جانبا، لأنها تعلم أنها لن تأتي بها للسلطة. ثانيا: أن تعتذر بشكل رسمي وعلني عن تحالفها مع فلول النظام السابق ومشاركتها في الانقلاب العسكري. ثالثا: أن تعلن عن قبولها بمحاكمة كل من شارك من رموزها في قتل معارضي الانقلاب. رابعا: أن تعلن عن انضوائها تحت قيادة التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، وأن تشارك في كل الفعاليات الاحتجاجية ضد الانقلاب حتى سقوطه. ولأننا نشك في قبولها بذلك، فمن المؤكد أن فكرة إعادة توحيد ما يسمى بالصف الثوري، هي فكرة خيالية تتعارض وتطورات الأحداث. فقد وصلت كل القوى السياسية إلى نقطة اللاعودة، في ظل مباراة تكاد تكون صفرية، المنتصر فيها يفوز بكل شيء والمنهزم يخسر كل شيء. ويتطابق ذلك مع الفكرة القائلة أن الموجة الأولى من ثورة يناير، كان الصف الثوري يضم خليطا من قوى الحق وقوى الباطل للقضاء على باطل أكبر، أما الآن فإن الصف الثوري لا يضم ولا يمكن أن يضم سوى قوى الحق فقط للقضاء على ما تبقى من الباطل.