12 سبتمبر 2025
تسجيلإن حفظ الأرض من التلوث تدل عليه الأحاديث التي تحث على نظافتها، وقد ربط الإسلام النظافة بالإيمان فجعلها قضية عقدية وهكذا الحديث: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" فإماطة الأذى عن الطريق ما هو إلاّ تنظيف لعائق مادي أو نفايات صلبة، فقد ورد في التعليق على هذا الحديث في صحيح مسلم بشرح النووي: "والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره". والحفاظ على نظافة الأرض ليس من وظيفة الأفراد فقط، بل يقع ضمن مسؤولية الدولة أيضا، ففي الحديث عن أبي موسى، أنه قال حين قدم البصرة: "بعثني إليكم عمر بن الخطاب أعلمكم كتاب ربكم وسنتكم وأنظف طرقكم". الحفاظ على المياه: لقد كانت مشيئة الله أن جعل في الماء حياة لمخلوقاته الحيوية، قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأنبياء: 30، وهنالك عشرات الآيات التي نسب الله سبحانه وتعالى فيها نزول الماء إلى نفسه: (وينزل من السماء ماء ….) الروم: 24 (وأنزل من السماء ماء …) إبراهيم32 (فأنزلنا من السماء ماء …) الحجر: 22 (والله أنزل من السماء ماء …) النحل:65 (ونزلنا من السماء ماء …) ق:9 فهذه الآيات ومثيلاتها تدل على أهمية الماء وارتباطه بمشيئة الله جل وعلا وأنه يسبب نزوله، وبالتالي فكل مطر يشير إليه، ويدعو إلى شكره فيزداد الإنسان من الخير، كما ذكرنا سابقا في العلاقة بين الإيمان والبيئة. وقد حثت السنة المطهرة على الحفاظ على الماء بحماية مصادره وترشيد استهلاكه، فمن باب أولى أن لا تصل فضلات مجموعة كبيرة من الناس إلى هذه المصادر سواء عن طريق المجاري التي تصب مباشرة فيها أو عن طريق التسرب في الحفر الامتصاصية إلى مصادر المياه الجوفية. وكذلك فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في الماء الراكد حتى لا يلوث فقال: "لا يغتسلنَّ أحدكم في الماء الدائم وهو جنب". وفي ترشيد الاستهلاك، نجد كثيرا من الأحاديث تحض على عدم الإسراف في استخدام المياه، فقد "توضأ عليه السلام ثلاثا وقال من زاد فقد ظلم وأساء". وقال عليه الصلاة والسلام: "...يكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور" وقد فهم العلماء هذا التوجيه، ودل كلامهم في هذا الباب على استمرارية ترشيد استهلاك المياه، بغض النظر عن كثرته، وهكذا نجد عند الإمام الغزالي — رحمه الله — دعوة عند الاستحمام للترشيد حيث قال: "وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة". وفهم الغزالي ان هذا منبعه سلوك الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقد توضأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بُمّد — حفنة — فعن سفينة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع" والصاع وهو أربعة أمداد (حفنات). ولو تحدثنا عن حماية الهواء: إنّ حماية الهواء من التلوث يستنبط من الأحاديث التي تنهى في ذلك الزمان عن الأنشطة التي تسبب الروائح الكريهة والتي تؤذي الناس، ويستفاد منها النهي عن المناظر المؤذية والروائح الكريهة. وليس ادل على هذا النوع من الحفاظ على نقاوة الهواء، من النهي عن ارتياد المساجد وقد أكل الواحد ثومًا أو بصلاً ففي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم — فلا يقربَن مسجدنا"، أما التدخين فهو ضار صحيا ونفسيا واقتصاديا، إن التلوث الضار الناتج عن التدخين هو الذي أدى إلى تحريمه، وهكذا يكون حكم كل ما ينفث في الهواء من سموم. وكما قلنا فإن كثيرا من هذه السموم تنتشر من عادم السيارات ووسائل النقل. ونذكر في هذا السياق حماية الإنسان من التلوث الضوضائي، فقد حرص الإسلام على نفسية الإنسان وصحته من خلال عدم تعريضه للأصوات المزعجة. فقد جاء في الحديث الشريف وصف للصوت المرتفع بأنه رعونة وإيذاء. وشبه القرآن الصوت المرتفع بصوت الحمير، ولذلك كانت وصية لقمان لابنه (... واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) لقمان:19 وإذا كانت الشريعة الغرّاء لا تسمح برفع الصوت بالقرآن في المساجد حتى لا ينزعج المصلون الآخرون والذين في حلقات العلم، فكيف بمصادر الصخب والضوضاء التي تتزاحم على أُذن السامع! إن النهي السابق علته الإزعاج، ومصادر الضوضاء الحديثة تشترك في نفس العلة، وتزيد لقوة تردد الصوت فيها، تضعف قوة السمع عند الناس. ومن المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال، وهكذا نجد لزوما علينا التخفيف بل التخلص من مصادر الضوضاء إذا أمكن. فعلينا أن نتوجه باتجاه إيجابي نحو حماية الأرض من التلوث والحفاظ على ما حبانا به الله عز وجل (صُنع الله الذي أتقنَ كُلَّ شيء) (النمل/ 88)