18 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب في أمس الحاجة إلى ثورة حضارية (1)

26 نوفمبر 2017

يمتد سرطان الأزمة الخليجية إلى لبنان و فلسطين و اليمن و يهدد البيت السعودي بالتصدع و تخرج تدريجيا مصائر العرب من أيدي العرب لتتحول إلى أيدي أعدائهم الصهاينة و يتسرب داء الشقاق بين السني و الشيعي وهم مسلمون لتصبح إيران هي المستهدفة بينما كانت الجارة و يتقاسم العمالقة الكبار أشلاء الدول العربية مثلما تقاسم (سايكس و بيكو) منذ قرن تركة نفس الرجل المحتضر. يذكرنا وضع المسلمين اليوم بما جاء على لسان الرسول (صلى الله عليه و سلم) في حجة الوداع فأشار إلى القصعة و المتداعين إليها حين تصبح الأمة على كثرتها غثاءً كغثاء السيل. إن من يتابع هذه الأيام أخبار العرب لابد أن تصيبه لعنة اليأس من هذه الأمة فيدعو الله إن كان من المؤمنين بأن يهب لها من لدنه رشدا وهي ضائعة جريحة بين خليج متصدع مستهدف وعراق ينزف و سوريا تدمى و ليبيا تنتحر و يمن مهدد و فلسطين مقسمة وليس لها من نصير من العسف الصهيوني سوى شعوب أوروبية تخلصت من عقدة الذنب تجاه اليهود و أصبحت دولة إسرائيل عبئا عليها بممارسات وحشية خارجة عن القانون و الشرائع و تهدد أمن العالم و الغرب بالخصوص و أضف إلى الصورة القاتمة مصر التي لم يستقر لها قرار بل إن العربي كان يرى في دول مجلس التعاون الخليجي بصيصا من أمل الوحدة و يتمنى أن يشمل سلامها وأمانها كل محيطها المشرقي متمنيا أن لا ينهار المجلس من جراء ما سماه وزير الخارجية الألماني روح المغامرة الخطيرة التي وصلت الى رأس السلطة السعودية. و هنا و هناك من أرض العرب نرى أيادي خبيثة تؤجج نار الفتنة بكل أصنافها من فتنة طائفية بغيضة و فتنة دينية مدمرة وفتنة قبلية مخربة و فتنة حزبية مفرقة و في تونس فتنة طبقية وأخرى جهوية بين مناطق تونسية وحدتها كل الوشائج و الروابط منذ الفتح الإسلامي و جاء من ينفخ في رمادها بحثا عن الجمرة الخبيثة في ظروف الإنتخابات الديمقراطية التي تكاد تكمل مساراتها. وعلى هذه اللوحة الحزينة وفي هذا المشهد المشحون بالمخاطر تزدهر صناعة عربية خالصة و لا تعتقدوا أنها صناعة الطائرات والسيارات و الحواسيب و الأدوية و التجهيزات الألكترونية فهذه تركناها لللأوروبيين و الأمريكان و اليابانيين و الكوريين وللإنصاف نضيف لهم الأتراك بعد استعادة طيب رجب أردوغان للهوية التركية وهذه الصناعات لم يحن لدى العرب أوانها بعد لأن ثقافة الإبداع تتطلب مهارات الحرية و حفظ كرامة بني أدم وتكريس قيم العلم عوض أدوات الظلم. ولتأكيد مقولة العلامة التونسي عبد الرحمن بن خلدون بأن العدل أساس الملك و أن الظلم مؤذن بزوال العمران فإني أضرب مثلا واحدا ليقتنعوا مثلما اقتنعت أنا منذ ثلث قرن بأن تقدم شعب من الشعوب لن يتحقق إلا متى تمتع ذلك الشعب بحقوقه المدنية و حرياته السياسية ومتى حصن الدستور عرضه و أرضه و سلامة بدنه و مكنه من المساهمة في إختيار أولي أمره ومتى اعتنق مبدأ الحداثة الأصيلة لا الحداثة الدخيلة أي بكل بساطة تحول من كائن مستعبد إلى إنسان حر. المثل الذي يحضرني هو المقارنة بين ماليزيا و كوريا الجنوبية من جهة و بين تونس العربية من جهة ثانية: ففي السبعينات صنف برنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD)) هذه الدول الثلاث على نفس مستوى النمو من حيث معدل الدخل الفردي السنوي و معدل الإنتاج الوطني الخام و من حيث الطاقات البشرية و الجامعات و الموارد الطبيعية و مؤشرات التنمية الاقتصادية و أفاق التنمية المستقبلية ....نعم كنا نحن في تونس على نفس خط الانطلاق جنبا إلى جنب مع ماليزيا و كوريا الجنوبية تماما كالرياضيين المتنافسين في سباق العدو الأولمبي على نفس خط انطلاق السباق بذات الحظوظ و أمامنا نفس المسافة لتحقيق الفوز.....و النتيجة في ظرف جيل واحد ! تعرفونها جميعا فنحن في سنة 2014 كالتالي : ماليزيا 11 مليون من البشر نفس ديمغرافيا تونس لكن مصنفة في المرتبة 30 في العالم من حيث النمو بنسبة 3% فقراء و نسبة 3% بطالة و معدل نمو سنوي 7%و بالمقابل أصبح وضع تونس كالتالي: بلادي مصنفة في المرتبة 87 في العالم سنة 2010 وتقهقرت حسب إحصائيات أممية إلى المرتبة 93 سنة 2017 بنسبة المواطنين تحت خط الفقر حسب المعايير الدولية تقدر ب23% سنة 2017 عوض 15% سنة 2009 و معدل بطالة إرتفع من 16% سنة 2009 إلى 25% سنة 2017. ومعدل نمو لم يتجاوز 1 %. نفس المعدلات تقريبا نجدها بين تونس و كوريا الجنوبية إلى درجة أن الميزانية السنوية التونسية تعادل ثلث ميزانية شركة سامسونغ وحدها ! و أضرب هذه الأمثال للتحفيز لا للتيئيس ففي وطني كفاءات و مقدرات و عبقريات لكنها تظل مكبلة بالقوانين منتهية الصلاحية و الخيارات الخطأ.