30 أكتوبر 2025
تسجيلإن الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق أملا في الهداية والصلاح، فهو الطاقة التي يودعها الله في قلوب البشر لحثهم على تعمير الأرض بالبناء والزرع والعمل الجاد المخلص، لذا يعلمنا الهدي النبوي أنه إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها فليغرسها، قد يقول البعض إن طباع الإنسان ثابتة لا تتغير وإن أخلاقه لا تتبدل، وهو بهذا الكلام يلغي إمكانية الإنسان إصلاح نفسه ويلغي جدوى التربية ويلغي عمل المصلحين، يجب أن تعتقد أن الإنسان يمكن أن يتغير تغيرا جذريا، وقد يؤخذ هذا من أن الله تعالى يبدل سيئات التائب إلى حسنات لأنه يتغير إلى الأفضل، فقد يكون جبانا ويصير شجاعا، أو بخيلا ويصير كريما أو محسنا ويصير مسيئا، فالطبع في الكافر تشاؤم وفي المؤمن تفاؤل، مهما ألقيت على أذن إنسان من خبر طيب، وهو متشائم ينفي ذلك ويقول لك أنت لا تعرف شيئا الأمر أسوأ من ذلك بكثير فهذا التشاؤم واليأس أن ينظر للعالم بمنظار أسود، وكلما لاحت بشائر انفراج يغلقها لك وكأنه شامت، وكأنه يتشفى منك إذا ألقيت على مسامعه خبرا طيبا، لهذا فإن الإنسان الإيجابي هو الذي يقبل على الحياة بقلب مشرق ونفس راضية. فالإخلاص عنوانه والإتقان سبيله، فله أمنياته وطموحاته التي يحقق بها الإنجازات التي تجعله ناجحا في حياته لذا فهو جميل يرى الوجود جميلا. ما أجمل أن ترتبط النفوس بالخير وتنعقد عليه همتها، وما أجمل أن تتفاءل بالأحسن لتجده بعون الله ورحمته ولطفه، فانشراح الصدر بالخيرات من أعظم أسباب استقرار النفس، الأمر الذي يضعها على جادة الاستفادة والإفادة، فمن حسنات التفاؤل أنه دليل حسن ظنك بالله -عز وجل-، ويجلب سعادة النفس والقلب، والفأل الحسن تقوية للعزائم وانطلاق إلى الأمام وباعث على الجد والأمل، فلولا الأمل لبطل العمل، فمن المعلوم أن الأمل يدفع الإنسان إلى العمل ولولاه لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومواجهة مصائبها وشدائدها ولأصبح يحرص على الموت، لكن المسلم الحق لا ييأس من رحمة الله لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفعه إلى التوبة واتباع صراط الله المستقيم، فقد نهانا الحق سبحانه عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، وأمرنا بالإخلاص في العمل لكي يصل المرء إلى مبتغاه في الحياة الدنيا وفي التفاؤل أيضا اقتداء بالسنة المطهرة، وأخذا بالأسوة الحسنة، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل في حروبه وغزواته وفي شأنه كله، والتفاؤل يوحد قوة الروح وقوة الجسد ومن استقرار الروح تزدهر الصحة النفسية التي ترتبط غاية الارتباط بقدرة الشخصية على التوافق مع نفسها ومجتمعها الذي تعيش فيه، وهذا يؤدي إلى التمتع بحياة هادئة سوية مليئة بالحماس وخالية من الأسى والاضطراب والتشاؤم، فالتفاؤل أن يرضى المرء عن نفسه وأن يتقبل ذاته كما يتقبل الآخرين، وتغيب عن سلوكياته اضطرابات التوافق الاجتماعي أو السلوكيات الشاذة، بل يسلك في تصرفاته السلوك المعقول المتسم بالاتزان والمتصف بالإيجابية والقدرة على مواجهة المواقف ومجابهة المشاكل التي تقابله في مختلف نواحي حياته، فلابد وأن يدرك الجميع أن الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات والنظر للفرج واليسر وهو الضوء الذي نراه عندما يحل الظلام، وهو الذي يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه لأن الأمل محله نور القلب الذي سببه الإيمان ومن فقد الإيمان فقد كل شيء.