13 سبتمبر 2025

تسجيل

الخيال والوهم في الأدب

26 نوفمبر 2013

كالفارق الدقيق بين السمع والإنصات، والنظر والتبصر، هناك فارق بيّن وواضح بين الخيال والوهم، فيما يخص الأدب، في الشعر والنثر، وفي الألوان الأدبية الأخرى. مما لا شك فيه أن الخيال هو اليد الصانعة للصورة في العمل الأدبي، الصورة التي هي أساس النص، وعلامته الفارقة في تحويل الكلام من كلام لا يعنى بالأدب، إلى كلام ذي قيمة أدبية، ولكي تكون الصورة قوية في تشكيلها، بليغة في معناها، كان لابد من خيال خصب يخرجها من التعبير المباشر، والنمطية المعتادة. ولكن، ماذا لو حصل الالتباس فيما بين الخيال والوهم، عند المتلقي أو الجمهور، إذ أن هذا الفهم الخاطئ قد يكون بعيدًا كل البعد عن المبدع، الذي هو في موضع تمييز بين ما يخلق في ذهنه من محاكاة، أو نسخ محسوس، أو صورة بيانية، وبين ما قد يعيشه بشكل خاطئ سلبي وغير مجدٍ تحت مسمى " وهم ". ولعل "كولوردج" قد فرق بين الخيال والوهم، فيقول " فبينما يجمع التوهم بين جزيئات باردة جامدة منفصلة الواحدة منها عن الأخرى جمعا تعسفيا، ويصبح عمل التوهم عندئذ ضربا من النشاط الذي يعتمد على العقل مجردا عن حالة الفنان العاطفية، نجد الخيال يعمل على تحقيق علامة جوهرية بين الإنسان والطبيعة، بأن يقوم بعملية اتحاد تام بين الشاعر والطبيعة أو بين الشاعر والحياة من حوله، ولن يتم هذا الاتحاد إلا بتوافر العاطفة القوية ". إنها الحالة التي لا يفهمها إلا المبدع أو المنتج نفسه، الذي قد يُتهم إبان كل ذلك، من قبل الجمهور الوسط، وهو وسط الشاعر الاجتماعي، من أهله وأصحابه وخاصته، كما اتهمت نظرية التحليل النفسي في نظرتها للمبدع، انه إنسان مريض منطوٍ، يسير على حافة المرض النفسي أو العصاب، وأن ما يقوم بإنتاجه ما هو إلا تنفيس لرغبات مكبوتة، وبذلك ؛ فإن العمل الإبداعي ما هو إلا نوعًا من الأمراض النفسية، ومما لا شك فيه، هي نظرة سوداوية لا تناسب الجمال المصبوب في الإبداع. إن الشاعر أو الكاتب في شروده، إنما يدخل إلى عالم آخر، مختلف عن الذي يتصل به عن طريق جسده، إنه يقوم بعملية مزج عسرة بين الكلمات والصور، والذكريات والعبارات، هو في صمته يمر بحالات عديدة، ومراحل صعبة، يتجاوزها بعكازي الخيال والكلمة، ومهما تم تحليل حالته وضياعه الوقتي، أكان غارقًا في الوهم أو الخيال، أو أنه كما يقول "فرويد" أنها مكبوتات ومجموعة غرائز تتطلب إشباعًا، فهو في حالة سامية جدًا، يعبرها ببسالة، يقدم للجمهور بعدها أجمل ما يطرب الجمال، ويشبع الذائقة.