10 سبتمبر 2025
تسجيلالسينما ثقافة بحد ذاتها، وخزانة للتاريخ بجميع أضوائها وأصواتها وحكاياتها وكواليسها، وقد تكون الجسر الحي، الذي يصل الأجيال ببعضها، ويصل أفراد الجيل نفسه أيضًا. ولعلّي من الناس القلة الذين لا يرددون عبارة تصف الأفلام، كأن يُقال "أغرب من الخيال"، فإنني أرى ألا أغرب من الخيال إلا الواقع، فإذا كان الخيال هو صنيعة العقل البشري ذو السقف القصير والأفق المحدود، فالواقع هو صنيعة الله، وليس كمثله شيء سبحانه وتعالى. ولأن هذه الأيام، يسودها الجو الثقافي، بإقامة مهرجان الدوحة ترايبكيا، كنتُ قد دُعيتُ لحضور فلم المخرج "يوسف جبر" الذي كان بعنوان "هيستوريا"، الفيلم الذي شد انتباهي إلى حد الحزن، والبؤس على الواقع، الواقع الذي نعيشه تمامًا. قبل حضوري، كنت أقف في الطابور لتسليم التذكرة التي تمكنني من الدخول، شيءٌ من الأسى كان يمر من فوق رأسي، وثلاث فتيات قطريات، كهوية في اللبس، ولكن بثقافة أعجمية، ولغة ليست التي تسود البلاد، اللغة التي عرفها "ابن جني" انها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم " فأي أغراض اختلفت عن مظهرهم، لتطابق أصوات لغة أخرى؟ بأي قلب لا مبالٍ يحدث ذلك..؟ كلمة عربية، وبقية الجملة انجليزية. ثم حدث أن جلست للمشاهدة، التي كانت تعيد المأساة ذاتها، فبينما تصرخ شاشة التلفاز في الفيلم" الشعب يريد إسقاط النظام " كان المشاهد يُمسك كتاباً بلغة مختلفة، وكأن الهوة العميقة بين الواقعين منقطعة بشكل عمودي بشع، بدون أدنى رغبة في بناء جسر، يربط العالمين بعضهم ببعض، على الرغم من القرب المروع أحياناً، ينتهي الصوت، بأن يقطع الرجل الصوت نهائياً، بكبسة زر، ينتهي الألم وتتلاشى الفوضى. رمزية الفيلم كانت دقيقة، عميقة، وجميلة أيضًا، " كالدم مثلا "، لعل التناقض كان مؤلمًا إلى حد بلع الريق بصمت ودمع جاف فقد طبيعته الرطبة، إذ أن نهر الدم الذي كانت تعرضه الأخبار، لم يُقابله أدنى تحرك للعاطفة الميتة ربما، بينما الدم الذي سببته " ذبابة " استدعى الوقوف، الالتفاف، والغسيل على الأغلب..!! يكمن الوجع في التناقض أحياناً، وفي الغرابة التي بالاعتياد تُصبح أمرًا عادياً إلى حد اللاشيء، وباللامبالاة، والهوية الضائعة في اندماج الثقافات بطريقة غير سوية، ولعلها الحياة على الأغلب، والأيام التي نعيشها. ولكن، يحدث في النهاية، ننهض من لحظة التفكير العميق، ننفض الأوجاع، ونشكر الأشخاص الذين وضعونا على تلك النقاط الوضاءة، ولعلي أشكر الصديقة " مي توما " التي دعتني للحضور، والجميل بعمله " يوسف جبر " مخرج شرارة التفكير بفيلمه "هيستوريا ".