12 سبتمبر 2025

تسجيل

سباحة في بحور الحكمة (2)

26 أكتوبر 2017

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الحِكم (جمع حكمة)، التي شرعت في مقالي الأخير هنا الغوص في مظانِّها، والتنقيب عنها من مختلف المصادر، قد تكون ملاحظة عابرة نطق بها شخص -ليس بالضرورة عَلَما مشهورا- ومن ذلك ما قرأته للشاعر الإنجليزي الشهير وليم شكسبير: لا يوجد أحقر من شخص غضب على شخص آخر، فتساقطت جميع أسرار (الشخص المغضوب) عليه من لسانه. ولهذا تقول العرب، إن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل، لأن العاقل يحسب حساب العواقب حتى وهو يعاديك، بينما الصديق الجاهل عبء على حياتك اليومية وعلاقاتك الاجتماعية، وقد يغضب منك في أمر "لا يستأهل"، ويقرر نثر أسرار تخصك، لا ينبغي للآخرين الإلمام منها.بل إن الصديق الجاهل قد يفضحك من دون سوء نية، فالجاهل (والكلمة هنا لا تعني الأمي، بل الغبي الذي لا يحسن التصرف أو فهم الأمور أو عواقبها) قد يوقعك في مآزق، ليس فقط بنثر أسرارك، بل وكثيرا بنسب أشياء لم تنطق بها أو تفعلها إليك، ويكون ذلك خصما عليك ومنك، وعموما فلا شيء أسخف وأصعب من أن يسعى المرء إلى إثبات شيء للأغبياء، لذلك فإذا كان الشخص الذي تبادله الحديث منغلق التفكير، فقل له: أرجوك أن تغلق فمك أيضًا. فما فتح شخص غبي فمه، إلا وخسرت البشرية شيئا من رصيدها المعرفي.كثيرون منا يصفون شخصا ما بأنه "حالم"، ويقصدون بذلك أنه غير واقعي، ويقال هذا عادة عن الشخص الطموح لقصقصة جناحيه، ولإفهامه بأنه "يشطح ع الفاضي"، بينما الأحلام هي خميرة كل إنجاز، فقصيدة الشعر، والرواية والقصة القصيرة واللوحة الفنية تبدأ بحلم و"رؤية"، وجميع الاختراعات كانت يوما ما أحلاما في رؤوس وعقول من أتوا بها وجعلوها "واقعا ملموسا"، وهل كان هتلر سيقود الشعب الألماني لأكثر من خمس عشرة من السنوات، وهو النمساوي المولد، ودون رتبة الضابط في الجيش ما لم يكن يحلم بالزعامة؟ وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإننا أيضا نصف الكلام الفارغ من أي مضمون بأنه فلسفة، و-مثلا- يقول لك أحدهم: "دخلت على المدير وقلت كلام كله فلسفة، وطربق الدنيا على رأسي"، ونتجنى بذلك على الفلسفة التي هي أم كل العلوم الإنسانية النظرية. ومثلما نصف الشخص الطموح بأنه حالم، فإن بعضنا نماذج كلاسيكية للاتكالية والسبهللية، فلا يبذلون أي جهد لتحقيق مكسب مادي أو معنوي، يجعلهم يمضون قدما في مشوار الحياة بشكل أفضل، أي يتوكلون دون أن يعقلوها، ثم يعزون خيباتهم على سوء الحظ أو خذلان الآخرين لهم، وهناك من هو خائب وفاشل، لأنه لا يفعل شيئا يحقق له النجاح والمراد، ثم يعزو خيبته وفشله لـ"العين"، ومصيبتنا هي أننا ميالون لاعتبار عيون أقرب الناس إلينا "حاسدة"، فكل من يقول عنا كلمة طيبة، أو يصف شيئا نتملكه بالجمال، عينه حارة. وقائع الحياة تؤكد أنه وفي أحيان كثيرة يصنع الإنسان حظّه، فمن جدّ وجد، ومن طلب الأسباب نال المراد، وعلى الإنسان أن يسعى ليدرك النجاح، وحتى من يسعى ويكد ويجد لتحقيق النجاح ولا يحالفه التوفيق، قد يحاول مرة أخرى، أو قد يكون مرتاح البال والضمير لأنه بريء من التقصير، ولهذا فمن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب/ ينجح، فله أجر السعي والمحاولة.والشاهد هو أنه كلما بذل الإنسان جهدا أكبر لتحقيق غايات معينة حقق المزيد من الحظ، لأنه من النادر أن يحالف الحظ في الأمور الكبيرة العاجز الكسول المتواكل، وهناك من سيقول إن من يكسب سيارة في سحب أجراه مركز تسوق، شاركت في مئات الآلاف من الكوبونات، لا شك محظوظ، وقد يكون كذلك، ولكنه ليس نوعية الحظ الذي ينبغي أن ننشده، بل هو أقرب إلى حظ المقامر في كسب مبلغ مالي كبير (فيعود ويقامر ليجعل المكاسب أكبر "فيخسر اللي قدامه واللي وراه").