10 سبتمبر 2025
تسجيلتصاعدت في الآونة الأخيرة الجهود الإقليمية والدولية، لاحتواء التوتر الناجم عن العدوان الصهيوني على القدس، وبالذات قدس أقداسها – المسجد الأقصى، فالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون زار المنطقة، تحديدا رام الله وعمان وعاصمة الكيان، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، التقى القيادة الفلسطينية في العاصمة الأردنية، كما التقى قادة قطعان بني صهيون، ومساء الخميس الفائت عقد مجلس الأمن جلسة عامة لمناقشة تطورات هذا العدوان، واللجنة الرباعية المعنية بما يسمى بالسلام في الشرق الأوسط اجتمعت نهاية الأسبوع الماضي.واللافت أن الدعوة إلى وقف ما يطلق عليه العنف في الأدبيات السياسية الدولية، هي السائدة في عناوين هذه اللقاءات والزيارات، وثمة مفارقة ما زالت تهيمن على الفكر السياسي الغربي، تتمثل في المساواة بين الضحية والجلاد، والقاتل والمقتول، القوة القائمة بالاحتلال والشعب الذي يكابد عذاباتها وقهرها وقتلها، بل وصل الأمر بمسؤول أمريكي كبير إلى اعتبار ما تقوم به سلطات الاحتلال، تجاه شباب وأطفال ونساء فلسطين عندما يتصدون لعدوانية قطعان بني صهيون، سواء من الجيش أو الشرطة أو المستوطنين، دفاعا مشروعا عن الذات، وإن كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في سياق ذر الرماد في العيون، وصف على استحياء هذه الممارسات بأنها من قبيل الاستخدام المفرط للقوة ، الأمر الذي أغضب حكومة اليمين المتطرف التي تضم عتاة قادة المستوطنين برئاسة الإرهابي الأكبر بنيامين نتنياهو، وجعلها تحتج على هذه السقطة للمتحدث، الذي قد يدفع ثمنها قريبا عندما يتم استبعاده من منصبه، بعد أن يمارس اللوبي الصهيوني نفوذه غير المسبوق في واشنطن وقد يتهم بمعاداة السامية. وبالطبع، لم تتجاوب الحكومة اليمينية لقطعان بني صهيون مع أي من هذه الدعوات لوقف العنف، وهي تسمية تنطوي على مغالطة، بينما الصحيح هو وقف العدوان الصهيوني، ولم تتجاوب أيضا مع اقتراح قدمه الفرنسيون بإرسال مراقبين دوليين إلى باحات المسجد الأقصى، ووجدت دعما من قبل الولايات المتحدة في هذا الرفض، حيث أصر وزير خارجيتها على عدم تدخل أطراف خارجية في الأمر، وترك الأمور على ما هي عليه في المسجد المبارك، في حين أن الكيان يسعى بقوة إلى تنفيذ مخططه الرامي إلى تقسيمه زمانيا ومكانيا، مثلما فعل قبل سنوات مع الحرم الإبراهيمي والذي بات مقسما بشكل تعسفي بين المسلمين واليهود. ومن الواضح، أن الكيان يقف بقوة ضد الفكرة التي تطالب بها السلطة الوطنية والعرب، والمتمثلة في توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وهو ما شدد عليه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في مداخلته القيِّمة، أمام الجلسة العامة لمجلس الأمن مساء الخميس الماضي، معربا عن قناعته بأنها باتت الأكثر إلحاحا باعتبارها تمثل استحقاقا قانونيا تمليه مقتضيات الحالة الراهنة، وإطارا ضروريا لضمان وتوفير البيئة اللازمة لتحقيق السلام، غير أنه يضيف أن الإجراءات الرامية إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، من انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنين، إنما تمثل خطوات مطلوبة لمواجهة الوضع الحالي، ولكنها لن تعالج جوهر المشكلة، المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما دام هذا الاحتلال مستمرا فإن الانتهاكات الإسرائيلية ستستمر، سواء في القدس أو بالعدوان المتكرر على قطاع غزة.ولا يتوقف الدكتور العربي عند حد طرح الفكرة، وإنما يحدد سياقاتها التي تجعلها قابلة للتنفيذ، لاسيَّما أنه هو واحد من أصحاب العقول العربية القليلة المتخصصة في القانون الدولي. وفي هذا السياق يؤكد أن مبدأ توفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، تضمنته نصوص الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بالشأن الفلسطيني منذ نشوء قضية فلسطين إبان عهد عصبة الأمم، مذكرا بأن فلسطين كانت خاضعة لنظام الانتداب الدولي بما يرتب قيام مسؤولية خاصة للمجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، منوها في هذا الصدد بما أكدت عليه محكمة العدل الدولية منذ عام 1950 حول مسؤولية المنظمة الدولية تجاه الأقاليم الني كانت تحت نظام الانتداب وتركيزها على مبادئ محددة. ويقول: إنه من الناحية التطبيقية، فإن توفير هذه الحماية من خلال التواجد الدولي المباشر لأجهزة الأمم المتحدة من السهولة بمكان، مذكرا في هذا الشأن بهيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة المنشأة بناء على قرار مجلس الأمن رقم 73 لعام 1949 الذي طالب بموجبه السكرتير العام للأمم المتحدة أن يتخذ التدابير اللازمة، للاستمرار في استخدام أي عدد من موظفي هيئة رقابة الهدنة الحالية، كما تقتضيه الضرورة للمراقبة والمحافظة على وقف إطلاق النار، وكلما يكون ضرورياً لمساعدة أطراف اتفاقيات الهدنة على الإشراف على تطبيق ومراعاة نصوص تلك الاتفاقيات مع العناية بصورة خاصة برغبات الأطراف المعبر عنها في مواد الاتفاقيات ذات العلاقة، وهذه الهيئة ما زالت حتى الآن موجودة في القدس وبوسعها ممارسة الدور المطلوب منها وتوسيع مهمتها لتشمل الأماكن المقدسة والحرم القدسي حين يطلب منها ذلك. وفي هذا السياق، فإن مجلس الأمن وبموجب قراره رقم 904 لعام 1994 الصادر إثر مذبحة الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل قد طالب بـ"اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة، تشمل، في جملة أمور، توفير وجود دولي أو أجنبي مؤقت"، وهو ما جرت الإشارة إليه أيضاً في الملحق الثاني من اتفاق أوسلو الخاص ببروتوكول انسحاب القوات الإسرائيلية الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وذلك في سياق عملية السلام الجارية، وأشير كذلك إلى القرار 605 الصادر عام (1987) والذي طالب بضرورة الحماية للفلسطينيين، وأيضاً الفقرة 50 من تقرير السكرتير العام السابق كوفي عنان حول الحالة في الشرق الأوسط، الموجه إلى أعضاء مجلس الأمن في ديسمبر 2006 التي أكدت على الحاجة الملحة لاستكشاف وتفعيل وسائل جديدة لحماية المدنيين الفلسطينيين وفقاً لما ورد في خطة خارطة الطريق بالنسبة للمراقبين بدعم من اللجنة الرباعية ومجلس الأمن. في ضوء كل هذه المعطيات، تتبدى الحاجة ماسة إلى تغيير منهجية التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية، وفق ما يؤكده الدكتور العربي، على نحو يتوقف معه مجلس الأمن، عن أسلوب "إدارة النزاع" المتبع منذ عدة سنوات، ويبدأ في العمل الفوري على "إنهاء النزاع"، من خلال ممارسة دوره وفعاليته وفق البند السابع، إن كان هناك جديد حقيقي، باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.