13 سبتمبر 2025

تسجيل

القذافي المنتظر....؟

26 أكتوبر 2013

لعلها واحدة من أكثر الطرائف المأساوية في تاريخ السياسة العربية، فالمهازل عندما تتوالى تتحول بحكم طبائع الأمور لمآسٍ مزعجة، وما انتشر أخيرا من روايات خيالية مفبركة ذات جوانب استخبارية واضحة لا تخطئ العين الخبيرة قراءة دلالاتها حول مصير العقيد الجماهيري الأخضر الذي كان وملك ملوك إفريقيا و(أمغار) صحرائها معمر بو منيار القذافي هي من طراز روايات الهلوسة والجنون وتشبه تماما للأسف حقبة حكم وتسلط العقيد ومجموعته من القتلة والمجرمين الذين ساموا الشعب الليبي العذاب طيلة أربعة عقود دموية عجفاء لم تحفل سوى بالمهازل السلطوية والدماء العبيطة وتدمير موارد وثروات البلد واستباحتها في مغامرات عسكرية فاشلة في القارة الإفريقية ومن دعم لجماعات التخريب من غابات أمريكا اللاتينية وصولا لغابات آسيا، ومن صرف باذخ على مشاريع وهمية كانت مجالا للنصب والاحتيال على الشعب الليبي بأسره، فقد انتشرت روايات خيالية تدعي بأن القذافي لم يقتل؟ وإن ما ظهر من مصير بشع له ولولده هو مجرد فيلم هوليوودي مفبرك! ومن أن العقيد مقيم حاليا وبرجل واحدة فقط في إحدى الدول الإفريقية المجاورة!! ويدعي البعض (هلوسة) أيضا بأن القذافي قد نقلته قوات الناتو لمكان مجهول! وإنه بالتالي لم يقتل ولم تعرض جثته على جماهير الليبيين! وإن كل ما حصل هو فبركة استخبارية، بل إن تلك الروايات تدعم نفسها من خلال شهادات عناصر حماية العقيد الذين لم يكونوا أصلا معه في معركته الأخيرة في البراري الليبية!!، وطبعا لا داعي للقول بأن كل تلك الأقاويل المضحكة هي من باب الحرب النفسية لبقايا نظام ساد ثم باد وليدخل بعدها في مزبلة التاريخ، ولكن ما يهمنا من نتائج تلكم الروايات الخرافية هو أن عبدة الأصنام والمروجين للديكتاتورية الرثة يتشبثون وحتى آخر نفس بروايات الخرافة والدجل والتأكيد على خلود أصنامهم البشرية العصية على الموت والتلاشي والاندثار، وهي قصة لاحظناها في مصير الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر والذي ما زال هناك حتى اليوم من يعتقد بأنه لم ينتحر مع رفاقه وعشيقته في مخبأ دار المستشارية في برلين في أواخر أبريل 1945 وبينما كان الجيش الأحمر الروسي يقتحم مقره الأخير!، بل إنه قد هرب لأمريكا اللاتينية وعاش هناك حتى عام 1960 ليموت موتا طبيعيا!! وهي القصة التي مازالت تداعب خيال بعض المولعين بقصص الغموض والخرافة حتى اليوم!، وقد تكرر الموقف ذاته في العراق أيضا عام 1963 حينما تمكن انقلابيو الجيش العراقي من البعثيين والقوميين من الإطاحة بحكم الزعيم عبدالكريم قاسم في بغداد وإعدامه في دار الإذاعة يوم 9 فبراير 1963 وعرض جثته وجثث معاونيه على شاشة التليفزيون مباشرة، إلا أنه قد انتشرت أخبار خيالية بالغ بمصداقيتها بسطاء الشعب العراقي تدعي بأنه أي قاسم لم يمت أو يعدم بل إنه حي يرزق وسيعود يوما!! وهي أسطورة خصبة يتناقلها العراقيون جيلا إثر جيل وذات خلفيات تاريخية وعقائدية معروفة... اليوم يتكرر المشهد مع العقيد الليبي بعد عامين كاملين من اختفائه وقتله والقضاء على نظامه والتعامل مع التركة الثقيلة التي تركها في سيادة حالة الفوضى وقدرة الميليشيات على تخريب الأوضاع وعدم الوصول لصيغة توافقية مقبولة لنظام الحكم البديل في ليبيا والذي قام على أنقاض الديكتاتورية البائدة، تراث الطغاة التدميري من الصعب التخلص منه بمجرد الأماني أو بكبسة زر، بل إن تطهير الفكر السياسي وإشاعة حالة الاطمئنان الجماهيري والقدرة على صناعة دولة جديدة وحياكة عقد اجتماعي جديد تتطلب تنازلات صعبة ومؤلمة من جميع الأطراف الوطنية وبشكل جدي وحازم وبعيدا عن أي مصلحة خاصة أو أنانية، الديكتاتورية ليست هي الوصفة الناجحة أبداً لوطن مستقر، بل إنها أسرع الوصفات للانتقال نحو الجحيم، وخرافة الحديث عن تسويق دكتاتوري جديد لرمز فاشل من رموز مرحلة الظلام في ليبيا هو من باب حالة الإحباط التي يعيشها الشعب الليبي بعد الفشل في بناء دولة صلبة ووطنية تلبي الاحتياجات الحقيقية للمواطن الليبي الحائر بين ماض استبدادي أسود وحاضر مشوش ومستقبل غير واضح المعالم ويكتنفه الغموض في ضوء تدافع الأجندات وخرائط الطريق المستقبلية، الحقيقة الأساسية تتمثل في كون ما ينتظره الشعب الليبي هو بناء الدولة الليبية الحديثة التي تستثمر ثروات الشعب الليبي في بناء تنموي يعوض سنوات الضياع والفوضى المهلكة، أما جثث أهل الاستبداد فهي لن تنقذ أحدا.. لأنها ببساطة لن تعود أبداً بل إنها خالدة في مزابل التاريخ، لذلك فإن من ينتظر الدكتاتورية سيطول انتظاره وبشكل سرمدي.!