16 سبتمبر 2025
تسجيليسرني أن أتقدم لكم بأطيب التهاني بمناسبة عيد الأضحى المبارك، سائلاً الله تعالى أن يعيده على الجميع بالخير والصحة والعافية والسلامة وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، متمنيا لكم حياة ملؤها السعادة والفرح والسرور. إنها تهنئة واجبة وتحية لكل القراء، وإذا كنا ندعو المولى عز وجل أن يكون العيد مناسبة للخير والسعادة والفرح والسرور، فهذا الأمر لن يأتي إلا بنبذ الخلافات وتركها والعمل على تفعيل الحوار وإحقاق الحق. فالاختلاف وسيلة للتواصل والتكامل والأخوة والائتلاف خاصة أن شريعتنا الإسلامية في مصدريها الأساسيين من قرآن كريم وسنة صحيحة أرست قواعد عظيمة وأسسا متينة تؤسس لفقه الاختلاف بما يجعله طريقا للتعايش واللحمة لا وسيلة للتنابذ والفرقة. يا لها من سماحة لهذا الدين الحنيف، فالسنة تؤسس لفقه الاختلاف، ولابد لنا جميعا التفقه في أدب الخلاف، فليس مقبولا أن يتفق كل البشر أو جماعة من الناس في كل شيء، ولكن المقبول أن يوضع الخلاف في موضعه ولا يتجاوز به حده ليصير سببا للقطيعة والهجر، ولو فعل الناس هذا لما بقي اثنان على مودة وإخاء، فخلافات العلماء والأئمة كثيرة ولا تحصى، ومع ذلك لم يكن ذلك سببا في بغض بعضهم البعض. وعند حصول الخلاف، فلابد من أن نسعى جميعنا إلى رأب الصدع وإنهاء الفرقة تعظيما أعظم لأجرنا، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. وأعتقد أن علينا ونحن نعيش تلك الأيام المباركة أن نتجاوز ما نراه في الساحة السياسية وهي مليئة بكل أسف بالصراعات والخلافات واختلاف في الآراء بين أطراف متعددة وتباين في وجهات النظر، ويتشبث كل طرف برأيه وكل شخص بحجته من دون النظر إلى مدى صحتها. وهناك نوعان من الخلافات، خلاف مَرضي يدمر الأوطان وروابط الأسرة الواحدة، وآخر صحي، مثل الخلاف بين الدعاة الذي ربما يكون أحيانا رحمة بنا. وهذا يستلزم العمل على تجنب أسباب الفرقة ما استطعنا لذلك سبيلا، فالفرقة تضعف الصف وتفرق الجهود وتذهب القوة ويكون مصيرنا الفشل والتراجع وعدم التقدم. قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]. وعصريا.. قالوا إن الديمقراطية هي التوافق بعد الاختلاف، خاصة حينما تصل الأمور إلى الاستقرار ونبذ الخلافات مع الاعتراف بالوجود المكافئ للآخر، سواء أكان دينيا أو سياسيا أو عرقيا، فالديمقراطية هنا تعني اعتراف كل منا بحق الآخر في الوجود وليس ذبحه والإجهاز عليه حتى نجنب الوطن الشرور، وبما يسير به إلى بر الأمان. فعندما ينظر كل مواطن لأخيه في الوطن بعين المساواة وإقراره بحق الشقيق أو الصديق أو حتى الغريب في الاختلاف معه لونا أو جنسا أو دينا أو فكرا، فهذا من شأنه السير في طبائع الكون. ولولا ذلك لخلقنا الله جميعا نسخا مكررة متطابقة. أو كما جاء في سورة هود: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (118). ترى هل ينطبق هذا القول الحكيم على واقع الحوارات في هذا الزمان الذي تحول فيه الحوار إلى تنابذ، واستبدل بلغة الإقناع الهادئة لغة الاتهامات العنيفة. ولذلك تحول الحوار إلى صراع وأصبح كل طرف على حق دائما، والآخر على باطل في كل الأحوال. ومن الأمانة الاعتراف بأن هذه الآفة هي نتيجة ادعاء البعض باحتكار الحقيقة، وهؤلاء يسارعون إلى توجيه السهام للمخالفين لهم في دينهم وآرائهم وأفكارهم، ويصل الحال إلى قمعهم، ويصل الحال أحيانا إلى استخدام العنف معهم، وهنا مكمن الخطر. ومن ثم، فلا ضرر من أن يختلف الجار مع جاره والأخ مع أخيه والرئيس مع مرؤوسيه، ولكن الضرر هو أن يكون الاختلاف جارحا وعدم العودة للحق، فالعودة للحق فضيلة. حتى الحضارة الإنسانية ليست واحدة بل هي متنوعة شرقا وغربا، دينا وسياسة وفكرا، وتؤكد القاعدة الحضارية أن تقدم الحضارة الإنسانية مرهون بتنوعها البشري والثقافي الخلاق. ويفضي إلى ضرورة إشاعة ثقافة الحوار. فالاختلاف الحق يفضي إلى الحوار الهادف بتعميق فهم الآخر أو محاولة استمالته إلى مواقفنا الفكرية أو حتى إقناعه بعدم صواب رأيه. ومن الخطر عدم احترام كل طرف للآخر، أو التسفيه من آرائه، لأن اللجوء إلى لغة العنف أو التهديد، يخرج بنا من إطار الحوار إلى التنابذ. مع ضرورة الإقرار بأن الأصل الحاكم للحوار هو الإدراك بأن المعارف والأفكار نسبية، طالما كانت من صنع الإنسان. ولذلك فلا أحد يمتلك الحقيقة أو يحتكرها. وقديما قال الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ونحن نعيش في هذه الأيام المباركة، علينا التمسك بفضيلة اجتماع الكلمة ونبذ التباغض والتحاسد، لأنه إذا تكاتفنا وتوحدنا سنكون الأعلون حتى لا نتفرق ويشق صفوفنا، تطبيقا لقوله عز وجل (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم).