31 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ نجاح ثورة يناير، لم يتوان التيار العلماني بشقيه الليبرالي واليساري، عن الإعلان بكل وضوح عن وقوفهم ضد أي شكل من أشكال التعبير عن الهوية الإسلامية في مؤسسات الدولة المصرية. وجاء ذلك واضحا في الصراع الذي نشب مبكرا حول المادة الثانية من دستور 1971 التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع. هذا الصراع لم يتوقف عند نصوص الدستور الجديد المقترحة، بل وصل إلى باقي مؤسسات الدولة الأخرى، خاصة المنتخبة منها. حيث عمل التيار العلماني بكل قوته لهزيمة الإسلاميين عبر تشويه صورتهم، سواء خلال الانتخابات البرلمانية أو خلال الانتخابات الرئاسية، إلى الدرجة التي دفعتهم إلى التحالف مع فلول النظام السابق من أجل تحقيق هذا الهدف. وبعد اختيار الجمعية التأسيسية الأولى للدستور، زادت وتيرة الصراع بعد أن سيطر التيار الإسلامي على أغلبية أعضائها. ولم يتوقف الهجوم عليها إلا بعد حلها وتشكيل ثانية بناء على اقتراح من العلمانيين بالحصول على نصف عدد أعضائها، رغم أن تواجدهم في الشارع أقل من ذلك بكثير ولا يعطي لهم حق تمثيل نصف المجتمع. وحتى بعد حصولهم على هذا النصيب الكبير لم تتوقف حربهم على الجمعية التأسيسية، والذي اتخذ طرقا مختلفة، منها التهديد بالانسحاب منها لإبطالها، وكذلك إخراج المظاهرات المختلفة ضدها، مرة باسم حقوق المرأة، ومرة أخرى باسم حقوق الطفل، ومرة ثالثة باسم حقوق الإعلام وحرية الرأي. واستطاعوا بالفعل تحجيم دور أعضاء التيار الإسلامي في الجمعية التأسيسية، حتى رضخوا ورضوا بوضع نص المادة الثانية من دستور 1971 كما هي والاكتفاء بالنص على أن مبادئ الشريعة وليست الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع. وبعد أن تحقق لهم ذلك، بدأت مرحلة أخرى من الحرب الشرسة ضد الهوية الإسلامية، يسعون من خلالها إلى إقصاء هذه المادة، أي إلغاء النص تماما على أي دور للشريعة الإسلامية في حياة المصريين، على اعتبار أن ذلك يمثل طائفية تتعارض وقيم المواطنة. وذلك رغم سعيهم الحثيث للنص على حق غير المسلمين في الاحتكام إلى شرائعهم. وفي سياق هذه الحرب، تأتي مطالبة بعضهم مؤخرا بتدخل دولي من أجل إجبار التيار الإسلامي على القبول بهذه المقترحات. ووصل الأمر ببعضهم إلى مطالبة المسيحيين في الولايات المتحدة وأوروبا إلى ضرورة تشكيل لوبي مسيحي على غرار اللوبي اليهودي للضغط على حكومات الدول الغربية لمواجهة صعود التيار الإسلامي في مصر ومنعه من السيطرة على مفاصل الدولة، خاصة عملية كتابة الدستور. وبالإضافة إلى ذلك يستخدم التيار العلماني سلاح الإعلام في هذه الحرب، والذي سعى من خلاله إلى تشويه صورة الإسلاميين وترصد أخطائهم وتضخيمها من أجل خلق حالة من الكراهية لهم لدى الشعب المصري، وبالتالي تقليل نفوذهم الشعبي. إن هؤلاء العلمانيين فضلوا ومنذ أمد بعيد أن يتخلصوا من إحساسهم بالانتماء إلى أمة يرونها ضعيفة فقيرة مهمشة متخلفة لا يجيد معظم أهلها الانحناء للعواصف ولا للنساء وتقبيل أيديهن كما هي عادات الرجال المتحضرين في الغرب.. أقول فضلوا أن يستبدلوا هذا الشعور المذل بالانتماء إلى فضاء أكثر رحابة وأروع إحساسا ألا وهو الهوية الإنسانية أو ما يعرف بالعولمة وهو ما كنا نسميه نحن قديما بالتغريب. فهؤلاء يرون أننا أصحاب حضارة قد هرمت وهزمت واندحرت منذ زمن بعيد ولم يتبق منها غير أشلاء يحسن بنا كنسها والتخلص منها. وربما تلحظ في كثير من مفرداتهم ألفاظا يعمدون إلى وصف مجتمعاتنا بها من مثل التخلف والظلامية والعودة إلى ما وراء التاريخ. وهي شبيهة بتلك العبارات التي استخدمت حديثا في إعلان بإحدى محطات مترو الأنفاق بالولايات المتحدة ينادي فيها اليهود إلى نصر إسرائيل على أعدائها من العرب والمسلمين باعتبار أن الرجل المتحضر لابد له أن ينتصر للرجل المتحضر الذي يشبهه على عدوه الهمجي. لكن من المؤكد أن هذه الحرب لن يحسمها الخارج مهما بلغت قوته، ولن تحسمها وسائل الإعلام مهما بلغ سحرها.. من سيحسمها هو الشعب المصري الذي ينتمي إلى الإسلام.. دينا وحضارة.. ولن يقبل بغيره مهما كانت التحديات.