10 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ أيام صدر "تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003" عن المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. والتقرير هو الثاني من نوعه بعد تقرير العام الماضي الذي كان من الأهمية أن وصفته مجلة الـ "تايم" بأنه أهم ما نشر عام 2002، كما أن التقرير ذاته الذي كان مثارا للجدل والمناقشات في أوساط كبيرة في العالم العربي تم استنزاله من موقع المنظمة على الإنترنت أكثر من مليون مرة. والتقرير الذي نحن بصدده، أعدته نخبة من المفكرين العرب - سواء اتفقنا على مضمونه أو اختلفنا - يقدم تقييماً شاملاً لحالة قصور المعرفة لدى الدول العربية وتخلفها عن الركب العالمي ويعتبر بداية لفكر الإصلاح الداخلي القائم على النقد الذاتي. وكما ذكر "مارك براون" المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "إن التقرير الثاني شدد على أحد المبادىء الجوهرية الواردة في التقرير الأول وهو أن الإصلاح الدائم في العالم العربي لن يتأتى إلاّ من الداخل. وأن التعليم والبحث هما قوة الدفع المحركة للإبداع الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل". التقرير الصادر في حوالي 200 صفحة ثري بالمعلومات والإحصائيات عن مستوى المعرفة في الوطن العربي مقارنة مع الدول المتقدمة. وهو بعبارة بسيطة "ما يشرف". فالإنتاج الفكري ووسائل نشر المعرفة كأرقام تتحدث عن نفسها، وإليكم جزءاً منها: عدد الصحف في الدول العربية أقل من 53 صحيفة لكل 1000 شخص مقارنة مع 285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة. يوجد أقل من 18 حاسوبا لكل 1000 شخص في المنطقة العربية مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 78 حاسوبا لكل 1000 شخص. عدد مستخدمي الإنترنت لايتعدى 1.6% فقط من سكان الوطن العربي. ü يقدر عدد الكتب المترجمة إلى العربية منذ عهد الخليفة المأمون حتى الآن بـ 10 آلاف كتاب وهو يوازي ما ترجمته إسبانيا في عام واحد، كما أن الإنتاج العربي للكتب لايتجاوز 1.1% من الإنتاج العالمي. عدد البحوث العلمية المنشورة للدول العربية عام 1995، 26 بحثا لكل مليون، مقارنة بـ 840 لفرنسا و1878 بحثا في سويسرا. عدد براءات الاختراع العربية المسجلة في أمريكا بلغ 370 براءة مقارنة مع 7652 براءة لإسرائيل. لايزيد عدد العلماء والمهندسين العاملين في البحث والتطوير في الدول العربية على 371 لكل مليون من السكان مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 979 لكل مليون. ورغم سوداوية التقرير إلاّ أنه يستشرف رؤية استراتيجية لتأسيس مجتمع عربي يلحق بالركب العالمي في اكتساب المعرفة. وهذه الاستراتيجية ترتكز على إطلاق حريات الرأي والتعبير وتعميم التعليم الراقي وتوطين العلم وتأسيس نمط إنتاج المعرفة في البنية الاقتصادية والاجتماعية وتأسيس نموذج معرفي عربي منفتح ومستنير يجعل الاجتهاد منهجا في استنباط الحلول للمسائل المتجددة والمشكلات. ونحن نحمد الله أن وهبنا قيادة مستنيرة استطاعت استشراف المستقبل القطري برؤى وإنجازات، جاء التقرير المذكور ليؤكدها ويدعمها باستراتيجية بدأنا في تطبيقها في قطر منذ عدة سنوات. وقد كان الاستثمار في الإنسان القطري السياسة التي خطها سمو أمير البلاد المفدى حفظه الله منذ أن تقلد مقاليد الحكم في البلاد. فكانت الديمقراطية وإقرار الدستور ورفع الرقابة عن الصحف وحرية الرأي والإعلام الذي أنتج قناة "الجزيرة" التي يذكر التقرير أنها نجحت في تقديم مضمون وشكل جديدين للشاشة العربية من خلال ديمقراطية الحوار، جعلا العديد من القنوات العربية - في إطار المنافسة - تزيد من مساحة التعددية وحرية الرأي. وكان الأهم من هذا وذاك السعي بخطى حثيثة للارتقاء بمستوى التعليم في إنشاء المدارس العلمية المتخصصة والجسر الأكاديمي واستقطاب الجامعات العالمية في المدينة التعليمية التي تم افتتاحها مؤخرا لتكون بتخصصاتها الطبية والعلمية والهندسية والثقافية، بؤرة إشعاع تعليمي راق في المنطقة. وهي الاستراتيجية القطرية الهادفة الى تحويل الثروة النفطية الزائلة إلى ثروة معرفية دائمة تتوارثها - بفخر - الأجيال القادمة بإذن الله. فقد كانت نظرة سموه ثاقبة في ان الاستثمار في الإنسان له الأولوية والأهمية على الاستثمارات الصناعية والاقتصادية عندما قال خلال افتتاح المدينة التعليمية: "اليوم نحتفل بحدث يفوق في اهميته أي مشروع صناعي او اقتصادي مهما كان حجمه لأنه في الواقع هو الركيزة والأساس الذي سيكفل نجاح أي مشروع مستقبلي آخر". فقد كان أن استثمرت الدول العربية - كما يذكر التقرير - أكثر من 2500 بليون دولار بين عامي 1980 و1997 في بناء المصانع والبنية التحتية بشكل أساسي، إلا أن معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد انخفض خلال تلك الفترة. وذلك ان تلك الاستثمارات لم تؤد إلى انتقال حقيقي للتقنية، بل ما تم نقله هو وسائل الإنتاج لا التقنية ذاتها". "ينبغي لنا ألا نستحي من استحسان الحق واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا والأمم المباينة لنا، فإنه لاشىء أولى بطلب الحق من الحق، وليس ينبغي بخس الحق ولا التصغير بقائله ولا بالآتي به" (الكندي).