31 أكتوبر 2025
تسجيلخلق الله الإنسان من عدمٍ، وشقَّ له السمع والبصر، وحباه بنِعَم كثيرة تساعده على ممارسة حياته على ظهر هذه الأرض. ومن النِّعَم المهمة التي منحها الله للإنسان نعمة اللسان والنطق والبيان، ميَّز الله بها الإنسان عن باقي المخلوقات على وجه الأرض. تخرج كلماته فيتواصل بها مع غيره، ويُعبِّر عما في داخله، وبالكلمة تتحقق كافة تعاملات البشر؛ لذلك كانت الكلمة لها خطورتها في حياة كل شخص، وأكبر الأدلة على خطورة الكلمة أن الإنسان يدخلُ الإسلامَ بكلمة، ويخرج منه بكلمة، ويبني بيتًا وأسرة بكلمة، ويهدم بناءً ويُفرِّق جَمعَ أسرة بكلمة، ويدخل الجنة بكلمة، ويسقط في النار بكلمة. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق: ١٨]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ" [حديث حسن صحيح رواهُ مالك والترمذي]. لذلك وجب على كل مسلم أن يعي خطورةَ ما يقول خصوصًا في هذا الزمان الذي انتشرت فيه وسائل التواصل بشتَّى أشكالها، ويعتقد البعض عدم تأثيرها على الآخرين، ولكن للأسف لقد أصبح أثرها واضحًا ومنتشرًا انتشارًا واسعًا، فكل كلمة تكتبها في حق غيرك، أو فيديو تنشره على هذه المواقع تقصد به الإساءة لأي شخص كل ذلك يدخل في باب الغِيبَةِ، والتشهير بالآخرين، والاعتداء على خصوصيات الغير، وإلحاق الأذى النفسي له ولعائلته؛ فكل هذه الممارسات تُصاغ في كلماتٍ تهدم العلاقات بين الإنسان وأقرب الناس إليه؛ فالكلمة تدل على شخصية صاحبها، فهناك مَن يزن كلماته قبل خروجها، والبعضُ لسانُه لا يعرف ميزانًا ولا حسابًا، فالفضلاء حتى لو تعكَّر مزاجهم يضبطون أنفسَهم ويتحدثون بأدبٍ دون انفعال، لا يطلقون الألفاظ السيئة، ولا يُلقون التهمةَ الزائفةَ، ولا يقومون بأي تصرفٍ طائشٍ... هؤلاء نفسيًّا مؤهلون للتأقلم مع كل المواقف، ويضعون لأنفسهم ضوابطَ، ولكلماتهم ميزانًا حساسًا، فهؤلاء لديهم فرصة كبيرة ليكونوا ناجحين، ويفرضوا احترامهم على الجميع. والبعض يُطلِق لسانه على الآخرين في كل كبيرة وصغيرة، وإذا أغضبه شخص ظهرت حقيقة شخصيته، وأطلق لسانه بوابل من الألفاظ غير اللائقة، ويتسرَّع في الحكم على الآخرين وإلصاقِ التُّهَم الباطلة بالآخرين؛ لذلك أنصح كل إنسان: لا تخلِطْ مزاجكَ السيئ بكلمات سيئة؛ فيتحسَّن المزاج وتبقى الكلمات المؤلمة في قلوب أصحابها، وصدق قول الشاعر: جِراحَاتُ السِّنانِ لها الْتِئامٌ ولا يَلتَئم ما جَرحَ اللسانُ. نسأل الله تعالى أن يُوفِّقنا، ويُسدِّد ألسنتنا للكَلِم الطيب والعمل الصالح، ويعصمها من الزلل والسَّقط والآثام، ويختم لنا بخاتمة الخير والإحسان.. اللهم آمين. [email protected]