14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); هناك تجارب في الكتابة للمونودراما وآخرها كان للكاتب والمخرج صالح المناعي لمسرحية السجينة التي شاركت في مهرجان الكويت للمونودراما هذا العام، ووقع الاختيار على الفنانة حنان صادق خريجة المعهد المسرحي بتونس وصاحبة التجارب المسرحية الكبيرة في المسرح على مستوى التمثيل والإخراج للقيام بدور السجينة في هذا العرض، فالمسرحية تطرح مجموعة من القضايا الاجتماعية ذات العلاقة بالواقع الاجتماعي والعربي وأهمها التعامل بالحسنى مع البشر، فهذه البنت التي اضطرتها الظروف إلى أن تعمل خادمة في منزل أعجب بها رب المنزل ليتزوجها في الخفاء، وما أن انكشف أمرهما حتى نرى أن زوجة رب المنزل أُرديت قتيلة ليتم اتهام الخادمة بقتلها ويتم إدخالها السجن، حيث يبدأ العرض من لحظة وجودها في السجن، فتعيد سرد الحكاية بكل تداعياتها وآلامها وقسوتها داخل السجن ليكشف المتلقي سبب وجودها في المكان. اختيار المناعي للسجن ذكاء منه، حيث يحاول سجننا جميعا في القضية المطروحة لأنها ليست قضية السجينة فقط وإنما هي قضية مجتمع بأسره. فمن المدان، هذه المرأة التي كانت ضحية الظروف، أم المجتمع الذي لا يرحم من لا سند له، أم القانون الذي يجلد المجني عليه لأن لا حيلة له ليبقى الجاني يتمتع بالحياة؟ واختيار الكاتب للسجن مكانا ليس اعتباطا، لأنه يحقق الشعور بالاختناق لدى المتلقي، وهذا ما كان يريد المناعي إيصاله لنا عبر هذه التجربة المونودرامية. والسجن يعني الوحدة والانعزال والانقطاع عن العالم الذي نعيشه، لقد كنا أمام حاله عبثية تستحق التقدير والإعجاب لفريق العمل وللفنانة حنان صادق التي تمتلك أدواتها الفنية بشكل احترافي كبير. ووجود مسرحية قطرية من نوع المونودراما في مثل هذه المحافل الدولية مهم جدا لصالح الحركة المسرحية في قطر. الكثير من النقاد لا يصنفون المونودراما كشكل من أشكال المسرح، لأن المسرحية يجب أن يكون فيها صراع بين طرفين، والمونودراما تعتمد على طرف واحد فقط، ويقال في نظريات الدراما إن المسرحيات ألوان مختلفة، وإن مسرحيات "وان مان شو" تختلف عن تلك الألوان المسرحية، لأن الممثل المونودرامي يسرد ولا يمثل، وفي وجهة نظر البعض أن المونودراما ليست فنانا إنما هي خاطرة، يعني أن الواحد منا يستطيع أن يقدم المونودراما في غرفته، وأن يضع كاميرا تصوير ويعرضها مباشرة للمشاهد، فالمونودراما هي حاجة المخرج الممثل إلى نزعة إخراجية ونزعة تمثيلية لأنه لا يجد أحدا يقدمه بالشكل الصحيح على خشبة المسرح فيغوص في ذاته ليقدم نفسه كممثل على خشية المسرح. حتى على مستوى الإخراج هو بحاجة إلى مخرج من نوع خاص متمكن من أدواته الإخراجية لإيجاد حلول في الفضاء تمكنه من جعل المشاهد يجلس مشدودا حتى آخر لحظة من العرض المسرحي، وهذا شيء صعب جدا، فما الحلول الإخراجية التي سيستخدمها للتحايل على المشاهد؟ ولا يمكننا أن نغفل تجربة الكاتب القطري في المونودراما في كتابته لنص مسرحية الأسير الذي قدمه في قطر المخرج سالم الجحوشي لمركز شباب الدوحة، فقد أخذ العنوان (الأسير) وصنع ديكورا مسرحيا عبارة عن سجن وأسر مبارك، مع أن الكاتب لا يقصد في نصه الأسر الحقيقي أو السجن الواقعي، ففقد العرض رمزيته لأن الجحوشي قدمه بشكل واقعي بحت، ثم قدم النص نفسه الفنان الإماراتي حسن يوسف في مهرجان الفجيرة لفن المونودراما، والذي أعده تحت مسمى (النوخذة والطبال) الذي اعتمد على شخصية مبارك الذي كان والده طبالا وهو صار نوخذة وحكايته مع زوجته شاهيناز التي ماتت، حيث يجتر ذكرياته معهما بعد أن أصبح وحيدا. عبقرية رشيد أنه عندما استخدم عنوان (الأسير) للنص لم يكن يعني السجن الحقيقي والقضبان الحديدية الواقعية، ولكنه كان أعمق من ذلك، فقد كان يريد الغوص داخل النفس البشرية التي تحولت إلى أسر يعيش بداخلها مبارك، لأن مبارك كان حرا طليقا ولكنه أسر نفسه وحبسها في الماضي وذكرياتها، وكأن الزمن توقف عنده بفقده أباه وزوجته، فهو يجتر ذكرياته بشكل يومي رفضا منه للحاضر والمستقبل. وأخير في اعتقادي بأن المونودراما بحاجة إلى نخبة النخبة لكي يغوصوا معها من الداخل في رحلة قد تستغرق ساعة كاملة.