17 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا تجفف مستنقع البعوض في سوريا

26 أغسطس 2016

لم يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالقول إن عملية "درع الفرات" في سوريا تهدف إلى إنهاء المشاكل على الحدود التركية، وتستهدف تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والمقاتلين الأكراد، والتأكيد أن "تركيا لن تسمح بفرض أي أمر واقع في سوريا". وكتب وزير خارجيته على حسابه الرسمي على تويتر: "لا نريد مكافحة البعوض، هدفنا هو إزالة المستنقع والقضاء على التهديدات ضد تركيا"، وهو ما رد زعيم "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري، صالح مسلم، في تغريدة على موقع "تويتر" على هذه التهديدات بقوله: "إن تركيا ستخسر في "مستنقع" سوريا كتنظيم الدولة". تأكيدات الرئيس أردوغان أن بلاده "لن تسمح، لروسيا وأمريكا وإيران، بفرض أي أمر واقع في سوريا"، أثارت عددا كبيرا من ردود الفعل المؤيدة للعملية العسكرية التركية في العواصم الغربيةـ أبرزها مسارعة الجانب الأمريكي، وعلى لسان نائب الرئيس جو بايدن إلى طمأنة أنقرة، أن واشنطن أبلغت الميليشيات الكردية عدم العبور إلى غرب الفرات حيث تقع جرابلس، وأن تنسحب إلى شرق النهر كما دعاها إلى الانسحاب من مدينة منبج، بعد أن كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد أبلغ نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، قبل ذلك، بأن "وحدات حماية الشعب الكردية السورية تتراجع إلى شرق نهر الفرات". لا شك أن دخول الدبابات التركية إلى شمال سوريا، والسيطرة على مدينة جرابلس الإستراتيجية، والبدء بتوسيع العملية العسكرية لتشمل مدنا أخرى، تبدأ أنقرة برسم خطوط جديدة لتغيير قواعد اللعبة هناك، سواء كان ذلك بالتوافق مع روسيا أو أمريكا أو من دون رضاهما، بعد أن وصل أردوغان إلى نتيجة مفادها أن اللعبة الإقليمية والدولية في سوريا تجري من دون أخذ المصالح التركية بعين الاعتبار، وبطريقة تشكل تهديدا وجوديا للدولة التركية ووحدة أراضيها ونسيجها الاجتماعي. لطالما أرادت أنقرة فرض منطقة آمنة في شمال سوريا، لكن أمريكا والغرب وروسيا عارضوا التوجه التركي، ولم يكن بإمكان الحكومة التركية معاكسة الجميع مرة واحدة، ذلك أن فرض منطقة آمنة من طرف واحد، يعني إمكانية الدخول في صراع مباشر مع أكثر من طرف. فشل هذه المحاولة الانقلابية كان هدية من السماء للرئيس أردوغان، لأنها أطلقت يده من أجل "تطهير" تركيا من الانقلابيين، ومن عناصر جماعة فتح الله جولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ومكنته من "تنظيف" المؤسسة العسكرية من كل العناصر الانقلابية، وإزاحة الجيش من المشهد السياسي تماما ووضعه تحت إمرته، أي أنه نجح "بقصقصة" أجنحة العسكر الطامحين إلى السلطة دائما، كما أن هذه الهدية السماوية منحته القوة والفرصة لطرد كل العناصر "الجولانية" من المؤسسات والوزارات الحكومية، وبالتالي فقد منحته من السلطة والنفوذ الداخلي، ما لا يستطيع أن يشتريه بكل أموال تركيا. أما على الصعيد الخارجي، فقد اتهم الرئيس أردوغان الغرب، بدعم المحاولة الانقلابية الفاشلة أو التعاطف معها أو السكوت عنها، مما أثار غضبه وغضب كل الأتراك معه، وتوعد في خطاب ألقاه في خضم المحاولة الانقلابية الفاشلة بأن "قواعد اللعبة" ستتغير داخل تركيا وخارجها، وكان يعني بذلك سوريا على وجه التحديد، وهو ما جعل العواصم الغربية في حالة دفاع عن النفس في مواجهة "الرئيس العنيد" كما تصفه، وسارعت هذه العواصم إلى محاولة التخفيف من غضبة أردوغان بتأييد التدخل العسكري التركي في سوريا. المغامرة التركية في سوريا لا تزال في بدايتها، بعد أن قررت أنقرة أن تكون لاعبا على الأرض، وعدم الجلوس على مقاعد المتفرجين، أو الداعمين لهذا الطرف أو ذاك من بعيد.