19 سبتمبر 2025

تسجيل

المظلومية التاريخية وردع الفرات

26 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا يمكن لتركيا أن تقبل بأي تفاهم مع إيران وروسيا إلا في سياق قبول الأخيرتين التعايش مع دور تركي في شمال سوريا يسمح لأنقره بالانقضاض على الأكراد للحفاظ على الأمن الوطني التركي، فالنخب الحاكمة في أنقره تعرّف الخطر الذي يتهدد الأمن الوطني التركي بنجاح الأكراد في الحصول على كيان مستقل، وشكل ذلك هاجسا يقلق مضاجع القيادة التركية وهو أمر لم تنجح واشنطن في طمأنة حليفها في النيتو مما استدعى استدارة تركية بتنا نلحظ نتائجها على شكل التقارب التركي الروسي الإيراني وقيام القوات التركية بالدخول إلى مدينة جرابلس في شمال سوريا. بالمقابل فإن إيران وروسيا وإن كان لهما هدف مشترك واحد يقضي بدعم نظام الأسد فإن الموقف من الأكراد لا يتطابق، فروسيا دعمت الأكراد في سياق التفاهم مع الولايات المتحدة لكن إيران أقرب إلى الموقف التركي منها إلى الإيراني فيما يتعلق بأكراد سوريا، لهذا لا يمكن لروسيا عمليا القبول بتصفية الأكراد – الذين قد يخرجون خاليي الوفاض – وتقوية المعارضة المعتدلة في آن واحد، بمعنى آخر على تركيا أن تختار بين تمكين الأكراد في شمال سوريا وغرب الفرات ما يعني خرقا لخط أحمر تركي أو تمكين نظام الأسد وما يتطلبه ذلك من إعادة تموضع تركيا في المسألة السورية برمتها. من هنا يعكس الحديث عن اتفاق روسي إيراني تركي على وحدة أراضي سوريا مسألة أخرى ربما لم تظهر للسطح بعد وهي احتمال تنازل تركيا عن دعم المعارضة المعتدلة مما يعني عمليا القبول بشروط روسيا في الحل السياسي. وهو الأمر الذي ألمح له رئيس الوزراء التركي عندما قال بأنه يمكن للأسد أن يكون طرفا في الحل الانتقالي وإن كان لمدة متفق عليها مسبقا. دخول قوات تركية لدعم المعارضة المعتدلة لانتزاع مدينة جرابلس في شمال سوريا ربما يكون أبرز نتائج التفاهمات التركية مع إيران وروسيا، فرغم اعتبار نظام بشار الأسد الخطوة التركية اعتداءً على سيادة سوريا فإن أحدًا لا يلتفت لما يقوله الأسد لأنه لا يملك القوة ولا الشرعية للدفاع عن سيادة سوريا! على أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن الخطوة التركية، فقد دعمت قوات التحالف الدولي الخطوة التركية من خلال شن غارات بسلاح الجو لتغطية القوات التركية الخاصة. وهنا لا بد من التوقف عن تصريحات نائب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن عندما نصح القوات الكردية المدعومة أمريكيا بعدم تجاوز الضفة الغربية للفرات حتى لا تفقد الدعم الأمريكي. وعود على بدء، نقول إن استهداف المشروع الكردي في الاستقلال (وتصحيح عملية سايكس بيكو التي أسست لمظلوميتهم التاريخية وحرمانهم من حق تقرير مصيرهم أسوة بغيرهم) هو أمر ليس بجديد، والإصرار على وحدة أراضي سوريا ما هو إلا تعبير مخفف للقول بأنه لا مكان لدولة كردية في الإقليم بشكل عام! فالدول التي تحتضن الأكراد (سوريا، العراق، إيران، تركيا) وإن اختلفت في كثير من الأمور في العقود السابقة فإنها تتفق على منع تمكين الأكراد في أي بلد من هذه البلدان بشكل يسمح باستقلالهم في قادم الأيام. أجزم بأن روسيا مستعدة لبيع الأكراد في سبيل الحفاظ على مصالحها وتقريب تركيا إليها وهذا أمر لا بد أن لاحظته القيادة التركية مما أسس إلى استدارة تركية بعد أن تيقن الرئيس أردوغان أن الولايات المتحدة تخذله في سوريا وتتحالف مع فصائل كردية تعتبرها أنقره خطرا على أمنها الوطني. ومما يزيد من الطين بلة بالنسبة للأكراد هو أن الولايات المتحدة لا أسنان لها في سوريا، فالقوى التي تتصارع على الأرض إما خصما عنيدا لأمريكا أو لا تثق بالولايات المتحدة التي سبق لها أن تخلت عن حلفائها (باستثناء إسرائيل بطبيعة الحال وهذا أمر له أسبابه الأمريكية الداخلية). وبعد أن استولت روسيا على إدارة ملف سوريا بتواطؤ أمريكي لافت لم يعد لواشنطن القدرة على الادعاء بأنها يمكن أن تصنع الفارق. الأدهى أن هناك انطباعا عاما بأن واشنطن في قيد الانكفاء وفك الارتباط مع الشرق الأوسط برمته. باختصار دقت عملية دخول الأتراك عسكريا إلى ساحات الصراع ناقوس الخطر بالنسبة للأكراد، ففي لغة الريالبوليتيك والبراغماتية العجيبة لا مكان للمظلومية التاريخية التي قد تبقى موضوعا صالحا للأكاديميا لكنها قطعا ليست أساسا يمكن للقوى المؤثرة أن تستند إليه في لعبة إعادة تشكيل هوية الإقليم والحفاظ على أو تعظيم المكتسبات أو حتى دفع الأذى!